مَن يعرقل تشكيل الحكومة اليوم سيعرقل إنتخاب رئيس غدًا
نستغرب مع المستغربين، وما أكثرهم في هذه الأيام، كيف نجح رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في الدخول على خطّ تشكيل حكومة مكّلف به الرئيس نجيب ميقاتي، شرعًا وقانونًا ودستورًا. وكيف إستطاع أن يقنع رئيس الجمهورية بأن هذا التشكيل هو من صلاحياته، أو بالأصحّ هو شريك إلزامي في هذه العملية الدستورية.
لا أحد يتصرّف على أساس أن رئيس الجمهورية مجرد صندوقة بريد، ولكنه ليس وحده من يشكّل. فالنواب عندما إستشيروا سمّوا الرئيس ميقاتي ليتمّ تكليفه تشكيل الحكومة، فهذه الإستشارة أصبحت بعد الطائف ملزمة. ولو أراد “نواب الطائف” أن يكون رئيس الجمهورية شريكًا في التشكيل لكانوا أضافوا على نص التكليف ما يشير صراحة إلى دور الرئيس في إعداد أي تشكيلة حكومية.
في الواقع، فإن الدستور واضح في هذه المسألة، التي لا تحتمل أي لبس. الرئيس المكّلف يقدّم تصورّه الأولي لهذه التشكيلة إلى رئيس الجمهورية، بعد إستشارات نيابية غير ملزمة. هذه هي الخطوة الأولى.
أمّا إذا كان وراء “أسوار بعبدا” ما وراءها من تدّخلات غير بريئة، وهذا ما هو حاصل اليوم، فإن عملية التشكيل قد تستغرق أشهرًا وليس أسابيع، وقد لا تحصل.
فإذا كانت عملية تشكيل الحكومة غير معقّدة من حيث المبدأ، وأن الوصول إلى خواتيم سعيدة يتطلب توافق طرفين ليس إلا. ومع هذا نرى أن الحكومة لم تبصر النور أو بالأحرى لن تبصر النور. فكم بالأحرى في مسألة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. فهذا الأمر يحتاج إلى ضوء أخضر خارجي أولًا، وإلى توافق داخلي ثانيًا. وهذان الأمران غير متوافرة لهما الظروف المؤاتية، أقّله في الوقت الحاضر.
وعلى خط متصّل، ترى أوساط نيابية مقّربة من الرئيس نبيه بري أن ملف الرئاسة مرشح لأن يُفتح بزخم أقوى في الأسابيع المقبلة، لكن بلورة وحسم الخيارات لن يكون قبل منتصف أيلول، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: لأن المهلة الدستورية لإنتخاب الرئيس تمتد بين نهاية آب الجاري ونهاية تشرين الأول.
ثانيًا: هناك إستحقاق مهم وقوي يمكن أن يلعب دوره في رسم مسار رئاسة الجمهورية يتمثل بمعركة ترسيم الحدود البحرية واستخراج النفط والغاز.
ثالثًا: أن الأزمة الإقتصادية والمالية الضاغطة والوضع المتردي يفرضان تسريع الخطوات الإصلاحية لتوفير دعم صندوق النقد الدولي والهيئات والجهات المانحة. وهذا ما أكده مؤخرًا الرئيس بري، معلنًا أنه لن يدعو الى جلسة انتخاب الرئيس الجديد قبل إقرار هذه الإصلاحات.
ويسود إنطباع لدى العديد من المتابعين للشأن اللبناني أن شهر آب والنصف الأول من أيلول سيشهدان تطورات مهمة على صعيد هذين الملفين: قضية ترسيم الحدود، وخطة التعافي والإصلاحات، ما يوسع آفاق التعامل مع الإستحقاق الرئاسي. أما إذا تأخرت الحلول، فإن مصير هذا الإستحقاق سيكون غامضًا ومجهولًا.
بإختصار شديد، ولكي تُقال الحقائق كما هي. فإن من يعرقل قيام حكومة كاملة الأوصاف هو رئيس “التيار الوطني الحر”النائب جبران باسيل، وبالتالي فإن من سيعرقل إنتخاب رئيس للجمهورية هو أيضًا جبران باسيل، لأنه لا يزال يحلم بأن يكون هو من يخلف عمّه على كرسي بعبدا.