موقف لبناني موحَّد: تسريع الاتفاق أو الحرب
كتب منير الربيع في “المدن”:
طغت الأجواء الإيجابية على ما عداها عقب زيارة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين. يغلب التفاؤل على المسؤولين اللبنانيين جميعًا. وهم يقولون إن القطار وضع على السكّة الصحيحة مجددًا وبسرعة أعلى، للوصول إلى اتفاق. لا تخفي المصادر وجود حاجة إلى معالجة المزيد من النقاط العالقة. وهذا ما يبحثه هوكشتاين مع المسؤولين الإسرائيليين في الأيام المقبلة، ليعود بالجواب الشافي إلى لبنان.
تفاؤل وسرِّية ولا حرب
حسب تقديرات المسؤولين اللبنانيين، قد يحتاج الأمر إلى لقاء أو لقاءين توضع فيهما اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق. وتجزم المصادر المتابعة أن هناك اتفاقًا بين المسؤولين والرؤساء حول عدم تسريب أي أجواء أو تفاصيل عن مضمون ما يجري أو مضمون المقترحات وتفاصيلها.
الأكيد أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد حصول أي حرب أو توتر أو نزاع. وهناك رغبة ثابتة لدى الإسرائيليين في عدم الذهاب إلى أي معركة تؤدي إلى توتير الأجواء في البحر المتوسط، لأن أي اشتباك أو حرب تعطل عمل الشركات التي تستخرج الغاز الإسرائيلي وتعطل مسار نقل الغاز إلى أوروبا. وتبلغ اللبنانيون موقفًا واضحًا من هوكشتاين: رفض الحرب ورفض التصعيد. وبدا مصرًّا على استكمال مهمته إلى أن تنتهي إيجابًا.
يراهن الأميركيون على حاجة لبنان لتوقيع الاتفاق، وحاجة رئيس الجمهورية ميشال عون لتحقيق آخر إنجاز في عهده. وتقول مصادر ديبلوماسية إن ضغطًا دوليًا يحصل في سبيل الوصول إلى الاتفاق قريبًا. وهنا تفيد مصادر لبنانية أن هوكشتاين كان واضحًا في رفض ممارسات حزب الله. لكن مصادر أخرى تقول إن نشاط الحزب عينه هو الذي دفع الأميركيين إلى تكثيف حركتهم والضغط على الإسرائيليين.
على ماذا يوافق لبنان؟
لدى الدخول في تفاصيل المباحثات، تقول المصادر إن الوسيط الأميركي عاد إلى طرح حصول لبنان على الخطّ 23 إضافة إلى حقل قانا. وبدا مقتنعًا بأن هذا الخط هو الأنسب لإنفاذ الاتفاق. لكنه نقل في المقابل مطالبة إسرائيلية بعدد من النقاط داخل البلوك رقم 8. هنا أعلن المسؤولون اللبنانيون رفضهم الكامل لذلك، معتبرين أنه لا يمكن منح إسرائيل مثل هذا الأمر للحفاظ على ماء وجهها، طالما أن الوسيط لا يرى في هذه المساحة التي يطالب بها الإسرائيليون في الحقل رقم 8 أي أهمية، فلماذا يطالب بها الإسرائيلي، إذًا؟
عند هذه النقطة، اعتبر الوسيط الأميركي أنه يرمي كل المقترحات التي تتعلق بتبادل الحقول، أو بالمطالبة الإسرائيلية بمساحة من البلوك رقم 8، أو بما يحكى عن شركة دولية تعمل على التنقيب وتتولى دفع العائدات. لذا تصبح هذه المقترحات غير قائمة.
لكن على ماذا يوافق لبنان؟
كان الجواب موحدًا: لبنان يطالب بالخطّ 23 كاملًا مع حقل قانا. ودون ذلك لا إمكانية لأي حل. مع العلم أن هذا الاقتراح كان قد رفضه الإسرائيليون. وتضيف المصادر أن الوسيط الأميركي قال هنا إنه سيبحث في الأمر مجددًا مع الإسرائيليين، لمعالجة هذه النقاط العالقة على أن يعود بالجواب إلى لبنان.
الناقورة للتوقيع
أصر المسؤولون اللبنانيون على إحياء مفاوضات الناقورة مجددًا، لاستكمال المفاوضات هناك. لكن الوسيط الأميركي اعتبر أنه لا بد من إنجاز الاتفاق كاملًا قبل التوجه إلى الناقورة. لذا، تستكمل المفاوضات المكوكية. وبعد الوصول إلى صيغة حلّ يتم الانتقال إلى الناقورة، حيث تعقد الاجتماعات التنفيذية للتوقيع.
وهذا قد يحتاج الأمر لاجتماع أو أكثر. لكن يبقى الأساس في وضع الاتفاق مسبقًا. وطرح اللبنانيون فكرة السماح الأميركي للشركات في التنقيب عن النفط في حقل قانا، طالما أن إسرائيل أقرت بأنه حق لبناني. على أن يكون التنقيب متزامنًا مع التفاوض حول الترسيم. فكان الجواب أن هذا يرتبط بقرار الشركات، ويحتاج إلى دراسة لاتخاذ القرار النهائي في شأنه.
دور حزب الله
في لبنان خلاصة واحدة: لا مجال للتنازل عن الخط 23 وحقل قانا، لأن أي تنازل يعتبر هزيمة. ويراهن لبنان أيضًا على الحاجة الإسرائيلية الماسة إلى اتفاق، للتمكن من تصدير الغاز إلى أوروبا. وتعبّر مصادر رسمية لبنانية عن إمكان تحصيل لبنان مطالبه، لأن الخيار البديل أصبح المواجهة العسكرية في ضوء المعادلة التي وضعها حزب الله.
ولا بد من رصد موقف الحزب إياه ونشاطه في هذه المرحلة. قإذا ذهب إلى تعزيز الموقف اللبناني بعمليات أمنية جديدة، فلكي تستدرج إسرائيل إلى الاتفاق. علمًا أن الوسيط الأميركي كان واضحًا بقوله إن نشاط حزب الله يعقد التفاوض، لكن الحزب عينه يعتبر أن النتيجة معاكسة لما يراه الأميركيون.
وحسب ما تقول مصادر متابعة فإن هوكشتاين المصر على إنجاز الاتفاق أعطى مهلة اسبوعين ليبحث مع الإسرائيليين في تفاصيل الصيغة اللبنانية، على أن يعمل بعدها على وضع تصوره ومقترحه ليعرضه على الجانبين اللبناني والاسرائيلي، للموافقة عليه. وبعدها، بحال كانت الأمور إيجابية، يتم الذهاب إلى الناقورة لوضع الأسس النهائية للاتفاق، ويوقع كل طرف على المحضر. وبعدها يكون الإعلان عن ترسيم الحدود. وبذلك، يصبح الاتفاق جاهزاً وناجزاً في بداية شهر أيلول، إذا لم تطرأ أي تطورات، وإذا وافق الإسرائيليون.. لا سيما أنهم يحاولون تحسين شروطهم التفاوضية على أبواب انتخاباتهم، والتي تحتاج إلى الكثير من رفع الأسقف الكلامية والمزايدة. أما من دون موافقتهم، فيعني أن الأمر سيكون أمام احتمالات التصعيد.