جاء في “المركزية”:
عشية وصول الموفد الأميركي في ملف الترسيم آموس هوكستين إلى بيروت، كشفت مراجع دبلوماسية عبر “المركزية” عن مجموعة من السيناريوهات التي يمكن أن يحملها عقب المهمة المكوكية التي قام بها بين بيروت وتل أبيب بما فيها مواكبته للزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة وما أجراه من مفاوضات على هامشها تناولت الحصول على الرد الاسرائيلي المرتقب على الطرح اللبناني النهائي الأخير الذي سبق له ان تسلمه والتعديلات اللبنانية المقترحة على الخط المتعرج المقترح من جانبه بتعديلات باتت معروفة ولم تعد تختزن سرا وسط اجماع لبناني لافت لم يكن متوفرا من قبل.
ومن هذه السيناريوهات ما يغلب عليه الطابع الايجابي تأسيسا على بعض التسريبات التي صدرت من بيروت وتل أبيب بما فيها التأكيدات الاسرائيلية عن امكان التوصل الى اتفاق يتزامن وقدرة اسرائيل على استثمار إنتاجها من حقل كاريش في أيلول المقبل. وهي مواقف تلاقت مع تسريبات مصدرها ما ابلغته السفيرة الاميركية في بيروت دوروتي شيا المسؤولين اللبنانيين من معطيات ايجابية ترجمها وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي اعرب قبل يومين “عن تفاؤله بإمكانية الوصول إلى إتفاق بين لبنان وإسرائيل عبر الوساطة الأميركية من أجل ترسيم الحدود البحرية بينهم”، مشيراً إلى أنه “لم يسبق ان كان هناك تفاؤل بالقدر الموجود اليوم”.
وأيا كانت المؤشرات التي تحدثت عن معادلة بسيطة تعطي لبنان حقه كاملا بـ”حقل قانا” وتصحيح الفجوة المحيطة بجنوبه وتصحيح الخط المشطوب شمالا باتجاه المياه اللبنانية ليصبح مستقيما في البلوكين 9 و8 وصولا الى النقطة 23 فإن رواية أخرى تتحدث عن شروط اسرائيلية ما زالت تتناول “حقل قانا” مع اقتراح بتقاسم مخزونه بين البلدين بنسبة تحاكي الحجم الذي يشكله خرقه للبلوك 72 الاسرائيلي.
وبانتظار أن يأتي هوكستين في اليومين المقبلين بالجواب الحاسم الذي ينهي السيناريوهات المتبادلة ويحسم الجدل فيها ومن حولها، قيل ان هذا الجواب بات في عهدته منذ الثلاثاء الماضي بعد ان سلمت اسرائيل رؤيتها النهائية للحل. وهو امر قاد الى الحديث عن اقتراح اسرائيلي لا يتجاوب وكامل مطالب لبنان رغم تخليه ولو موقتا عن الخط 29 مقابل التبادل بين الحقول المتقابلة وبطريقة يحاكي المحاذير التي اطلقها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ويبرر بعضها في ظل صمت لبناني رسمي لفقدان المعلومات الموثوقة التي ينتظرها المفاوض اللبناني من الوسيط الاميركي من دون البناء على تسريبات من موقع اسرائيلي او اميركي او من اي مصدر كان.
وعند الدخول في التفاصيل، تترقب المراجع الدبلوماسية مصير خريطة الطريق التي سلكها هوكستين منذ زيارته إلى بيروت بحثا عن إمكان بقائها كما هي بمعزل عما أحدثته عملية إطلاق “المسيرات” التي قام بها حزب الله باتجاه الحقول الاسرائيلية البحرية. للتثبت من انها قد فعلت فعلها بإجراء تغييرات واعادة نظر محتملة في الموقفين الاميركي والإسرائيلي بما لا يتوافق مع موقف لبنان الرسمي من دون الاستعداد إلى اي تنازل إضافي.
فلبنان يستند في موقفه على مدى تجاوبه مع العرض الأخير الذي قدمه هوكستين كحل وسط. اليس هو من اقترح “الخط المتعرج” الذي يضمن “حقل قانا” للبنان و”كاريش” لاسرائيل على قاعدة ان الثروة الحقيقية هي تحت الماء وليست فوقها أو على السطح داعيا الى التقليل من اهمية الخطوط المسطحة التي تتجاهل ما هو تحت الماء.
وبناء على هذه المعادلة البسيطة، تخشى هذه المراجع التماهي الاسرائيلي مع موقف حزب الله اكثر من تجاوبه مع الموقف الرسمي الذي تجاوزه حزب الله الى طرح المفاوضات بشأن الحقول المحيطة بكاريش وما بعد بعبد كاريش وهي عملية ستؤدي الى تأجيل البحث بصيغة مقبولة تعيد الطرفين الى طاولة المفاوضات غير المباشرة ويلغي مفاعيل زيارة هوكشتاين عدا عما تطرحه من احتمال التوجه الى عملية عسكرية في المنطقة تغير الستاتيكو القائم ان بقي سلبيا من اجل ابتداع آخر يمكن ان يطلقه الوسيط الاميركي “على الحامي” يفرض على الجانب اللبناني ما لم يرده يوما من المفاوضات التي ستفك الحظر الدولي عن عمليات الاستكشاف في البلوكات اللبنانية التي تعهدت بها الشركات الاجنبية وجمدتها منذ ان اوقفت الحفر في البلوك رقم 4 قبل عامين تقريبا.
وإزاء هذه المخاوف، فإن المراجع الدبلوماسية لم تخرجها بعد من حساباتها قبل ان تسمع كلاما اميركيا واضحا يجدد من خلاله هوكستين دوره كـ”وسيط نزيه” يحترم على الاقل ما تقول به قوانين البحار. وما عليه عندها سوى ان “يصدق” في تعهداته التي قطعها عند مغادرته بيروت آخر مرة مرتاحا الى الموقف اللبناني الموحد والتجاوب مع طروحاته.
وعلى عكس هذه التوقعات، تخشى المراجع الدبلوماسية أن تنتهي زيارة هوكستين هذه المرة إلى ما لا يرضي لبنان الرسمي فتصح عندها السيناريوهات الاسرائيلية التي تعتبر ان تفاهما مع “حزب الله” ومن يقف من خلفه افضل من اي ضمان تقدمه الحكومة اللبنانية. فهو اجدى وانفع بعد التجارب التي تلت حرب تموز 2006 وما انتهى إليه القرار 1701 الذي وفر امنا لمنطقة الجليل الاعلى والشمال الاسرائيلي بحجم لم تعرفه اي جبهة أخرى بعد تجدد الاشكالات على حدود الجولان المحتل وتواصل العمليات العسكرية في غلاف غزة من وقت لآخر.