أزمة الخبز: تخوّف من فوضى.. فهل تعلن “ثورة”؟
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
غطّت ازمة الخبز على جلسة المجلس النيابي، وسيطرت على المشهد العام طوابير الذل التي امتدت على مسافات أمام الافران، وسط بروز جدال طويل حول رفع الدعم من عدمه. وما زاد الطين بلّة قرار وزير الاقتصاد بوقف الطحين عن الافران بانتظار الحل الناجع، ما يعني ان ازمة الخبز مستمرة الى اجل غير مسمى. ازمة من شأنها ان تفجر الشارع لا سيما وانها تمس لقمة الفقير. الا ان التجارب السابقة تؤكد أن لا ثورة على الطغيان، رغم ان هناك شريحة واسعة تستعد لاحياء مراسم عاشوراء، ثورة ضد الفساد والطغيان.
لعل اليافطة العاشورائية التي رفعت في احد شوارع النبطية «عاشوراء ثورة متجددة ضد الظلم والفساد» اصدق انباء عن واقع البلد المتشظي والغارق في ازمة رغيف لا أمل بحلحلتها.
على مسافة ايام من عاشوراء «ثورة الحق على الباطل»، تنهمك الاحزاب والفاعليات الدينية في منطقة النبطية برفع الرايات السود، التي تحمل شعارات ضد الفساد والطغيان، وتحث الناس على الثورة ضد الفاسدين. شعارات، لا تعدو كونها عناوين فضفاضة هذه الايام، فالشعب الغارق في ازمة الخبز يحتاج الى ثورة مماثلة لعاشوراء، الى سياسة اصلاح في الامة التي مزقتها التناحرات والتجاذبات والكيديات، غير ان الشعب يكتفي بالقشور، يركض خلف الرغيف من فرن الى آخر، ومن دكان الى آخر، ومن تاجر سوق سوداء الى آخر، ما يهمه الحصول على رغيف خبز، ولا يأبه للمتلاعبين بأمنه الغذائي، الامن الذي حضر على طاولة البحث في سراي النبطية للحد من الاشكالات المتنقلة، ولضبط الوضع في أيام عاشوراء. غير ان ازمة الرغيف لم تحضر امامه ولا حالة التوتر السائد بين الناس، تباحث القادة الامنيون في آلية ضبط ليالي عاشوراء، ومنع الدراجات النارية، وتجميد رخص استخدام الاسلحة، والحد من تجول النازحين، وغاب عن بالهم ان في الخارج مواطنين يقفون بالساعات في طوابير الذل بحثاً عن رغيف بات مهدداً ودخل الى بازار التجاذبات السياسية الرسائل الثلاثية الابعاد.
عادة ما تكون الازمات رسائل مشفرة ترسلها القوى السياسية الى بعضها، وليس مستغرباً ان يكون انقطاع الخبز احداها والخوف من الفوضى من خلفها، بحسب المعلومات «الجائع يفعل اي شيء ليؤمن قوت يومه، يقتل، يضرب، يصرخ»، ولا تخفي المصادر ان «هناك تخوفاً من ان تنفجر طوابير الخبز فوضى في البلد، في ظل حالة الغليان التي تسود الشعب الذي يرى خبزه يذهب للنازح ويحرم منه».
لم يتعلم الناس يوماً من ثورة عاشوراء، الثورة التاريخية التي خرج فيها الامام الحسين لمحاربة الطغاة والفاسدين الذين عاثوا في المجتمع ظلماً وجوراً، بقيت تلك المدرسة على اهميتها حبراً على ورق في اجندة الناس، رغم علمهم المسبق ان ما يواجهونه بات يحتم عليهم الثورة، ولكنهم لن يفعلوا. يتخوف القادة الامنيون كما محافظ النبطية من اشكالات تعكر صفو عاشوراء، ويضعها فقيه في خانة الاوضاع النفسية والاقتصادية، من دون ان يغفل الاشارة الى ان الوضع على ما يرام، وان اكد مصدر امني أن «الوضع مش ظابط»، كنتيجة حتمية لما يسود القرى من هزات وخضات في ازمة خبز تصفها المصادر بأنها الاخطر لانها تمس الفقراء في الصميم.
أحد لا ينكر النقمة الشعبية السياسية، فقدان الخبز قد يكون أول شرارات الفوضى، ان لم تتدارك الحكومة وتعالج الازمة، حتى اصحاب الافران انفسهم باتوا قلقين على امنهم، ما يعني ان ازمة الخبز التي دخلت يومها الرابع من دون حل تنبىئ بالكارثة. معظم افران النبطية مقفلة، الخبز مفقود، الناس تبحث عنه بلا جدوى، اشكالات متعددة سجلت، وحدهم نواب المنطقة بعيدون عن المشهد، وكأن الامر لا يعنيهم، حتى مجلس النواب كله لم يتحرك لاجل رغيف الفقراء، فيما الطوابير هي الحدث.