القضاء لم يعد بخير.. ومصير لبنان على المحكّ
كتب ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
واقعة حدثت خلال الحرب العالميّة الثانية، لا بدّ من التوقّف عندها للإتّعاظ من التجارب قبل أن نقول نجّنا من التجارب. بعدما امطر النازيون لندن بآلاف القذائف وتركوها مدينة للأشباح، وجّه ونستون تشرشل رئيس الوزراء في بريطانيا سؤالاً إلى وزير العدل في حكومته: «هل القضاء ما زال بخير؟» وحين أتاه الردّ بالإيجاب قال تشرشل لحكومته مجتمعةً: «لا تقلقوا على بريطانيا فهي ما زالت بخير». وكذلك الجنرال المتمرّد الذي قاد المقاومة الفرنسيّة من بريطانيا لتحرير بلده فرنسا، بعدما دخلها محرِّراً من غزوة النازيّين في الحقبة نفسها، سأل صديقه أندريه مارلو: «كيف حال القضاء؟» فأجابه: «إنّه ما زال ببعض الخير». فردّ الجنرال ديغول: «إذن، نستطيع أن نبني فرنسا من جديد».
وفي لبنان، الوضع مؤلم أكثر بكثير. فالقضاء في لبنان لم يعد بخير، لكن بعض القضاة ما زالوا بخير. وصوت الحقّ يصدح من حناجرهم وحبر الحقيقة يسيل من أقلامهم.
المؤسّسات سقطت، ويجب تنظيم المقاومة اللبنانيّة
وللتوقّف عند استنسابيّة القضاء وتوظيفه في السياسة، إن من حيث أداء القاضية غادة عون وفيلمها الطويل مع الحاكم رياض سلامة، وإن من حيث أداء قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي بعد التحقيق مع المطران موسى الحاج الثلاثاء الفائت؛ كان لـ»نداء الوطن» حديث مع القاضي بيتر جرمانوس الذي لفت إلى أنّ «لا فائدة تُذكَر من الدخول في آلية عمل القضاء والأجهزة الأمنية في ظلّ سيطرة «حزب الله» على كامل مفاصل الدولة». ورأى جرمانوس أنّه «بعد تحقيقه إنتصاراً في الانتخابات النيابيّة (أي حزب الله)، ها هو ينقضّ على المؤسّسات والافراد المصنّفين في خانة المعارضة». وللقادم من الأيّام قال جرمانوس: «نتوقع تصعيداً من قبل حزب إيران، من خلال إستعماله أجهزة الدولة ضدّ كلّ مَن يقف في وجه مشروعه الرامي إلى تغيير هوية لبنان». وفي موضوع إمكانيّة التصدّي لـ»حزب الله» وحلفائه الذين يستخدمون القضاء لتنفيذ مآربهم، أكّد جرمانوس «أنّ المؤسّسات سقطت، ويجب تنظيم المقاومة اللبنانيّة».
“حزب الله” هو المسؤول المباشر عمّا حصل
أمّا المحامي إيلي محفوض، رئيس حركة التغيير وعضو الجبهة السياديّة فلفت في حديثه لـ»نداء الوطن» إلى أنّ «المشكلة في مَن يقف وراء القاضي فادي عقيقي، وأبعد من ذلك، مَن يقف وراء هذه اليد التي تحرّكه. وعدم تحميل مسؤوليّة ما حصل لـ»حزب الله» بالمباشر هو تجهيل للواقع، لأننا منذ سنوات تحوّلنا إلى جمهورية خاضعة لـ»حزب الله» تابعة لإيران، واليوم نحن في مواجهة فصيل من الفصائل الإيرانيّة المسلّحة».
وتابع محفوض «لا شكّ أنّه في أيام «العسكر العثملّي» في جبل لبنان لم يتجرّأ أي طاغية عثماني أو غيره، بالتطاول على أيّ أسقف ماروني. ولا حتى في زمن أي احتلال آخر إن كان سورياً أو فلسطينياً او إسرائيلياً. ومن أوقف المطران موسى لمدة 12 ساعة، لكأنّه يقول للبطريرك أنا قادر أن أسجنه». وفي موضوع مصادرة الأموال التي كان يحملها المطران الحاج أشار محفوض «بينما تعمد ميليشيا «حزب الله» إلى تهريب أموال عبر المطار والمرفأ والحدود لتستخدمها في تمويل مشروعها التخريبي للبنان فتشتري الأمونيوم وتصنّع المسيّرات والصواريخ، تتمّ مصادرة أموال وأدوية لخدمة الناس والوقوف معهم جنباً إلى جنب في الأزمة التي أوصلنا إليها «حزب الله» وحلفاؤه نتيجة لسياساتهم الفاشلة وفسادهم في مؤسسات الدولة. ولا أستطيع إلا أن أؤشّر إلى أنّ «حزب الله» نفسه الذي يمنع تسليم قتلة الرئيس رفيق الحريري، ويمنع توقيف مَن صدرت بحقهم مذكرات توقيف في قضيّة المرفأ، هو نفسه يقف وراء توقيف المطران موسى الحاج».
كفى استفزازاً للناس
أمّا بالنسبة إلى أداء المعارضة اللبنانية فرأى محفوض «أنّ هذا الأداء لا يرتقي إلى حجم الأخطار التي تشكّلها ميليشيا «حزب الله» على الكيان والسيادة والحضور الحرّ في لبنان وهو الذي سمح لـ»حزب الله» بالتطاول على سيادة المطران، وسيتطاول على غيره إن استطاع ذلك أيضاً. فهذه السياسة الناعمة بوجه السياسة الخشنة لم تعد نافعة. فالتلكّؤ في المواجهة منذ 14 آذار هو ما أدّى إلى ما وصلنا إليه اليوم».
ولفت محفوض إلى أنّه «من المعيب غياب المسؤولين عمّا حدث ويحدث في موضوع القضاء اليوم، وبالتحديد في موضوع توقيف سيادة المطران الحاج». وتابع : «يجب الإقرار بأنّ الأدوات السابقة لمواجهة «حزب الله» لم تعد تنفع وأصبحت دون جدوى. مع العلم بأنّنا عوّلنا على نتائج الانتخابات، وحقّقنا أكثريّة نيابيّة بوجه الحزب وحلفائه، لكنّنا لم نقدر استعمال هذه الأكثرية حيث تبيّن لنا أنّ الحزب بما يملك من سطوة وهيمنة، قد استطاع الانقضاض عليها، وعرقلة نتائجها، فلم تستطع المعارضة ترجمتها في الداخل».
وفي طريقة المواجهة لفت محفوض الى انه «لم يعد أمامنا إلا المعاملة بالمثل. «كل رطل بدو رطل ووقية». وخير مثال على ذلك ما حدث في غزوة عين الرمانة الأخيرة. فلو أنّ أهالي عين الرمانة سكتوا، ولم يواجهوا غزوة «حزب الله» لبيوتهم وأحيائهم، لكانت اليوم عين الرمانة مستباحة من «حزب الله». فهذه الحادثة هي إشارة للتكوكب حول مشروع سيادي- كياني – مقاوماتي بوجه مشروع الحزب. بكركي تقاوم اليوم بأسلوبها. فالمقاومة ليست بالسلاح فقط، الكل يقاوم: بكركي والجبهة السيادية والقوات اللبنانيّة والصحافيون الأحرار». وختم محفوض: «فليكفّ «حزب الله» عن استفزاز الناس لأنّ ما يقوم به سيؤدي إلى أفعال لن يستطيع تحمّل نتائجها هو نفسه ولا أحد يريدها».
في المحصّلة لا يمكن القبول بأقلّ من إحالة ما حصل على القضاء والتفتيش القضائي. فبنهاية المطاف لم يعد القضاء بخير. وإن لم نعمل كلّنا في لبنان على تصحيح مسار القضاء فمصير لبنان كلّه سيكون على المحكّ. وعندها لن ينفع البكاء وصريف الأسنان.