جاء في “المركزية”:
ليست قضية توقيف النائب البطريركي المطران موسى الحاج والتحقيق معه في الناقورة امس، من قبل جهاز امني، مجرد اجراء عابر ولا هو رسالة موجهة حصرا الى بكركي وسيدها الذي رفع سقف خطابه في ملف الاستحقاق الرئاسي الى مستوى عال، فالمسألة بعيدة جدا وابعد من هزة بدن مسيحية لبنانية، تستوجب استنفارا عمليا غاب عن واجهة المشهد القيادي السياسي المسيحي الذي اكتفى ببيانات الاستنكار على غرار تعاطيه مع اي حادث يقع في لبنان يوميا. فالقضية على ما تصفها مصادر مطّلعة على الاجواء الكنسية اللبنانية والفاتيكانية لـ”المركزية” وجودية ومصيرية تبدأ من رسالة الى الفاتيكان ولا تنتهي بمحاولة المس بهوية ووجود لبنان الكيان.
منذ عامَين، تقول المصادر، أستَنْفرت الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة من أجل الدّفاع عن القضيّة اللّبنانيّة. كان كلام البابا فرنسيس في آب 2020 عن أنّ “لبنان في خطرٍ داهم” إشارة بالغة الأهميّة عن استِشعار لمفصليّة اللّحظة التّاريخيّة التي يواجهها لبنان هويّة وكيانًا ودَوْلة.
إستنفار الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة لم يكُن عاديًا بل إنّ رجلها الأوّل أمين سرّ الدّولة الكاردينال بييترو بارولين حمل همّ القضيّة اللّبنانيّة مع كلّ حلفاء الكرسيّ الرّسوليّ في العالم الحرّ، كذلك أصدقائه في الخدمة المسكونيّة، بتوجيهاتٍ حاسمة من البابا فرنسيس، ليُلاقيه أمين سرّ الدّولة للعِلاقات بين الدّول المطران بول ريتشارد غالاغير في جولاتٍ منها المُعْلَن وغير المُعْلَن للتأكيد على موجب حماية لبنان كنموذج حضاريّ في الحريّة والتعدّديّة ومساحة التّلاقي بين الشرق والغرب، وأكاديميّة للحِوار بين الحضارات والثّقافات، وبالتّالي من الواجِب صَوْن إرثه التّاريخي الحضاري، وتحييده عن اختِباراتٍ شموليّة أيديولوجيّة مستوردة لا علاقة لَهُ بها، وهي إن استَشرَت فستُدمّر صيغة العيش معًا بالمواطنة الحاضنة للتنوّع الذي تميّز بها وطن الأرز.
ومنذ عامَين، سَعَت بروباغندا مرتبطة بمحور الممانعة مع حلفائها بتسويق روحيّة “حلف الأقليّات” ونهج “المشرقيّة”، بما يُزيح المسيحيّين عن ثوابتهم التّاريخيّة من ناحِية، ويُفتّت خصوصيّة لبنان النموذجيّة الحضاريّة من ناحيةٍ أخرى، على أنّ ترجمة هذا التفتيت إنقِلابٌ على الدّستور وضربٌ للسّيادة وتعميمٌ لاستراتيجيّات المنعزلات الطّائفيّة – المذهبيّة على حساب المواطنة، وحاولت البروباغندا تعميم أنّ الفاتيكان مُرتاحٌ لهذه الخيارات على أنّها حماية للمسيحيّين. وفي المحصِّلة الحقيقة خلاف ذلك كليًّا في ثوابِت البوصلة الأخلاقيّة للسياسة الفاتيكانيّة تجاه لبنان التي ترفض هذه الطروحات التّدميريّة، ومن الواضِح أنّ هذا المِحوَر بدأ يَفهَم حَجْم الفاعليّة الفاتيكانيّة في رفض أيّ تطبيعٍ مع مسارات تغيير الهويّة اللّبنانيّة، وقد اختار على أبواب استحقاق رئاسي مفصلي توجيه رسالة مشفّرة أبعد من تِلك السّياسيّة، أنّ المواجهة مفتوحة، وما توقيف المطران موسى الحاج لساعات سوى بداية على ما يبدو لمرحلة شديدة التعقيد، لكن خَوْفَها سلميًّا وبمحبّة يبقى السّبيل الأكثر نُضجًا حتّى مع من احترف دوّامة الأرض المحروقة، فلُبنان مُبارك في العيش معًا، لبنان كما قال البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني ” أكثر من وطن هو رسالة، رسالة حريّة وأخوّة”.