مواطنون يعبّرون عن غضبهم المكبوت بأبشع الصور
كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
عنف جسدي يطاول الحيوانات، وسوء معاملة تؤدي الى الموت، ظواهر ليست جديدة في المجتمع اللبناني لكنها تشهد تفاقماً ملحوظاً مع تحول الناس الى طناجر ضغط مستعدة للانفجار في كل لحظة لتكون الحيوانات بعد أنفسهم أولى ضحاياها. كلاب شاردة هائمة في الشوارع أو معززة مكرمة داخل البيوت تتحول مثل غيرها من الحيوانات الأليفة الى فشة خلق يعبر من خلالها بعض اللبنانيين عن غضبهم المكبوت ونقمتهم المتفجرة كما عن عقدهم الكثيرة الكامنة في عمق اللاوعي وبعض الموروثات الاجتماعية والأخلاقية البائدة.
بتواتر ملحوظ تزداد قصص تعنيف الحيوانات التي تخرج الى العلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتثير الرأي العام، ومقابل كل قصة مفضوحة لا شك هناك عشرات القصص التي لا يعرف بها إلا مرتكبوها وضحاياها ترقى الى حد الجرائم. ظاهرة قديمة قد يقول البعض، فلطالما تلذذ بعض الشبان والأطفال في تعذيب الكلاب والقطط وغيرها وتفننوا بذلك كما لو كانت لعبة مسلية، ولكن مع ولادة وعي متزايد تجاه حقوق الحيوانات ورفع الصوت من قبل الجمعيات التي تعنى بالرفق بها ومع انتشار موجة تربية الكلاب والقطط في المنازل بشكل غير مسبوق، صار تعذيب الحيوانات وقتلها ظاهرة تتخطى فكرة التسلية واللعب لتعكس واقع اللبنانيين النفسي المأزوم وحالتهم الاجتماعية التي يسيطير عليها الغضب والنقمة على كل ما ومن حولهم.
امرأة تطلق النار على كلب شارد وترديه أمام أبنائها بحجة أنه هاجم أحدهم قبل شهر، شبان يتفننون في تعذيب كلب وتعليقه على شجرة «بالمقلوب» وتركه ليموت، رجل يترك كلبه تلتهمه النيران في كاراج قرب البيت نشب فيه حريق لأنه نسي وجوده لشدة سكره، أطفال شوارع ينهالون على كلب بالضرب بعصا غليظة ويرفسونه بأرجلهم في إحدى الزوايا،عجوز تترك هرتها بلا ماء او طعام لمدة أسبوع لأنها لم تسمع كلامها وحصان يترك خارجاً ليتجمد من البرد في عز الثلج والجليد، ومراهق يغطّس هرة في المياه ويتفنن في خنقها وآخر يدفنها في الرمال…في منطقة زرارية الجنوبية شاب علّق كلباً بشكل وحشي وقام بضربه حتى كادت قدماه تنفصلان عن جسمه وفق ما رأى كل اللبنانيين في شريط بثته إحدى القنوات التلفزيونية، وبيك آب يسحل كلباً وراءه. فيديوات مؤلمة تنتشر على مواقع التواصل وفي الإعلام وقصص تعذيب وتعنيف روتها لنا السيدة ثريا معوض مؤسسة ومديرة جمعية AFAP Lebanon للرفق بالحيوانات وفي جعبتها الكثير من الأخبار عن سوء معاملة وإهمال شديد تلقاه الحيوانات الشاردة كما الحيوانات الأليفة حتى في بعض الملاجئ التي يفترض ان تكون ملاذا آمناً لها كما في بعض البيوت التي تأويها.
نسأل السيدة معوض عن هذه الظاهرة التي تتابعها عن كثب وأسباب تفشيها في لبنان لا سيما أن قانوناً شاملاً صدر في لبنان في 5 أيلول 2017 يحمل الرقم 47 يحمي حقوق الحيوانات ويعاقب كل من يعتدي عليها ويسيء معاملتها، وينظم أوضاعها وطرق تربيتها بعد أن كان قانون العقوبات اللبناني يتضمن العديد من المواد التي تعاقب على تعذيب وأذية الحيوانات.
تعترف السيدة معوض أن هذه الظاهرة موجودة في العالم أجمع ولكنها في لبنان تأخذ بعداً آخر، أولاً بسبب كثرة الحيوانات الشاردة التي لا تلقى أي متابعة أو مراقبة من قبل وزارة الزراعة أو البلديات، وثانياً بسبب انتشار قصصها على وسائل التواصل بشكل كبير لأن لبنان بلد صغير وناسه يمضون الكثير من وقتهم على هذه المواقع. وفي تحليل أعمق تقول إن الحيوانات الشاردة ولا سيما الكلاب تولد خوفاً وتوتراً عند البعض ورفضاً لوجودها بحيث يشعرون أنهم في حالة حرب معها لأنها تضمر الأذية لهم ويجب مقاتلتها والانتصار عليها. في عقولهم التي شهدت حروباً كثيرة، هي مصدر تهديد لذا حين يرون كلباً لا يرونه على حقيقته بل يرون فيه مجموعة كلاب أو حتى هررة تتربص بهم… ومن جهة أخرى تؤكد السيدة معوض، كما يلاحظ كل من يعيش في هذا البلد المأزوم، «أن الناس لم يعودوا «طبيعيين» كما كانوا سابقاً، معظمهم إن لم نقل كلهم يعانون من خلل نفسي ما ويحتاجون الى متابعة نفسية لذا ففي بعض الحالات القصوى يعمد بعض هؤلاء الى مقارنة حياتهم بحياة الحيوانات الأليفة فيرون الكلب في أفضل حالاته يأكل ويعيش في بيت يؤمن له كل احتياجاته فيما هم غير قادرين على تأمين أساسيات الحياة فتزداد النقمة عندهم تجاه هذه الحيوانات وحتى تجاه الجمعيات التي تهتم بحقوقه فيما الإنسان في لبنان مهمل لا يجد من يطالب بحقه».
وثمة عامل أساسي يضاف الى النقمة فيغذيها وتغذيه هو عامل تعاطي المخدرات والمسكرات حيث لا يعود الإنسان في وضعه الطبيعي (غير الطبيعي في الأصل) يقوم بتصرفات عنيفة غير واعية تجاه الناس او الحيوانات.
تكثر التحليلات النفسية من قبل الاختصاصيين ومن يهتمون بالحيوانات لكنها تجمع على أن الإنسان الذي يعاني من مشاكل نفسية وحياتية يسعى للاستقواء على من هو أضعف منه قد تكون الزوجة او الأولاد وفي هذه الحالة هي الحيوانات. ومع وجود قانون العنف الأسري الذي بات يخشاه الرجال صارت الحيوانات المنزلية او الشاردة هي فشة الخلق يعبر من خلالها الفرد عن تحديه للمجتمع: «بدي اقتلو وما حدا إلو معي شي» قالها أحدهم حين ووجه بقتله كلباً شارداً.
أزمات عاتية تراكمت على كاهل اللبناني وحولته قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار، أتت لتضاف الى عقود من الحرب لم تمح تداعياتها من ذاكرته وتصرفاته بعد، جعلته مستعداً للعنف حين يتاح له ذلك. لكن الأسوأ في هذا كله تقول السيدة معوض غياب كلي للمراقبة وتطبيق القانون من قبل المعنيين. لا بل تؤكد أن العنف تجاه الحيوانات قد ازداد عشرة أضعاف بعد صدور قانون حماية الحيوانات وكأن المواطنين اعتادوا تحدي القانون والمعنيين اعتادوا تجاهل تطبيقه. حتى البلديات التي تستطيع القيام بدور ما لإيجاد مآوٍ للكلاب والقطط المشردة لا تقوم بأي إجراء وقد عمدت أكثر من بلدية الى تسميم الكلاب الشاردة وقتلها ووزارة الزراعة غائبة عن هذا الأمر تماماً. «لماذا لا يحدث عنف ضد الحيوانات في دبي مثلاً تسأل السيدة معوض، وتجيب بنفسها لأن القانون يطبق بحذافيره والعيون المراقبة عشرة عشرة لتمنع اي اعتداء فيما عندنا العقلية القبلية لا تزال تعتز بتحدي القانون».
مسكين لبنان ومساكين أهله الذين باتوا يعيشون تحت خط الفقر بدرجات على أبواب جهنم، غاضبين ناقمين على مسؤوليهم، يصرخون ولا من يسمع صراخهم، يستغيثون وتصم الآذان عن استغاثاتهم، يعذَّبون وهم صامتون فيستدير بعضهم نحو مخلوقات تتعذب بصمت مثلهم ولا تتكلم ليمارسوا عليها نقمتهم.
في الأطراف كما في المناطق الشعبية والفقيرة تكثر عمليات تعذيب الحيوانات كما تقول السيدة معوض وكما يؤكد لنا الطبيب البيطري د. أنور رزق. هنا حيث الفقر وانعدام التوعية وثقافة الرفق بالحيوان يتضافران ليشكلا مرتعاً لتصرفات عنيفة تجاه الحيوانات الشاردة. أطفال الشوارع الغارقون في الظلم والقهر يمارسون قهرهم على كلاب الشوارع وقططها وهو أمر لا يحتاج الى تأكيد ويمكن رؤيته بالعين المجردة في كثير من المناطق. سابقاً ما كان أحد ليهتم لكن اليوم بات الرأي العام أكثر حساسية تجاه هذا الأمر. حتى أصحاب الكلاب الذين يربونها في البيوت واعتادوا تدليلها بات جزء منهم، بسبب القلة والضغط النفسي يهملونها، لا يطعمونها يتركونها بلا طبابة أو دواء تعاني بصمت داخل البيت من أوضاع مخزية كما يؤكد د. رزق او يتعاملون معها بعنف جسدي او لفظي.
محبو الحيوانات وجمعيات الرفق بالحيوان يستشرسون في الدفاع عن هذه المخلوقات الضعيفة ويحولون كل حادثة عنف الى قضية رأي عام ليتفاعل معها الناس والمسؤولون. ولكن هل يكفي هذا التفاعل لتغيير الأوضاع والحد من العنف؟ لا شك أن الحملات أعطت نتيجة كما يقول الطبيب «بتنا نرى الكثير من الناس يحملون إلينا او الى الملاجئ والجمعيات حيوانات شاردة وجدوها في الشارع، مريضة او بحاجة الى مساعدة، كما نرى وعياً لدى الناس في الاهتمام بحيواناتهم رغم وجود إهمال وسوء تصرف في بعض الأحيان. لكن الأمور تبدلت وازداد الوعي ويمكنني الجزم بأن ظاهرة تعنيف الحيوانات ليست متفشية في المدن. لكن القانون اللبناني لا يحمي الحيوانات بشكل واضح. أليس الصيد العشوائي عنفاً تجاه الحيوانات؟ أليس ذبح الخراف أمام بعضها عنفاً؟».
نسأل الطبيب بشكل عابر عن مدى تأثير العنف على الحيوانات فيؤكد انه يمكن ان يتسبب بأذى جسدي او نفسي للحيوانات ويولد لديهم خوفاً وانطواءً وتغيراً في السلوك والتصرف.
ختاماً رغم بعض الوعي تقول السيدة معوض «نحن بحاجة الى تربية الأجيال على احترام الحيوانات، هنا يبدأ التغييرالحقيقي، وحين نربي أولادنا على هذا المنطق يتشربونه أكثر من أي قانون. نحن نفقد إنسانيتنا حين نسيء معاملة الحيوان» جملة تنهي بها معوض حديثها لتشكل اختصاراً لحالة تشهد فيها الإنسانية أبشع تجلياتها فعلاً وردة فعل.