اللامركزية في لبنان… هذه إيجابيّاتها
كتب ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
تتفاعل الازمات في لبنان يوماً بعد يوم. ولكن اللبنانيّين أخذوا جرعة من الأمل مع التجدّد الذي عصف في مجلس 2022 بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. وعلت الأصوات المطالبة بتطبيق الدستور وتنفيذ الاصلاحات في النظام اللبناني، لا سيّما من حيث نقله من الشكل المركزي للدولة إلى اللامركزيّة المنصوص عليها في اتّفاق الطائف. لكن أي مشروع للامركزية يجب أن يحافظ على العيش المشترك؟
اللامركزية أو الحوكمة المحلية
ولاستمزاج الآراء السياسيّة لبعض النواب الجدد، كان لـ»نداء الوطن» حديث مع النائب ابراهيم منيمنة المنتخب عن دائرة بيروت الثانية حول موضوع اللامركزيّة الإداريّة فأشار إلى أنّها «وردت ضمن الاصلاحات الأخرى التي نص عليها اتفاق الطائف لكن للاسف لم تطبق مع العلم أنه تمت دارسة 6 مشاريع قوانين من العام 90 حتى اليوم».
ورأى منيمنة أنّ «التنمية المحلية، وقرب الناس من السلطات واشتراكهم في صنع القرار، وامكانية المراقبة والمحاسبة، وتخفيف امكانية الهدر والسرقات عبر مراكز السلطات المركزية؛ كلّها قد تكون مزايا مهمّة ومفيدة للحوكمة المحلية ونقل القرار من المركز إلى المناطق». وتابع: «هناك مناطق مهمشة كلّيّاً في لبنان، وخاصة الأطراف، اللامركزية أو الحوكمة المحلية ممكن أن تكون الطريق الأفضل لإنماء هذه المناطق».
ورأى نائب بيروت الثانية أنّ المدن الكبرى، وبيروت على وجه الخصوص، قد تستفيد من النظام اللامركزي، وليس فقط المناطق. وقال : «إنّ مسألة الحوكمة في لبنان متعلّقة غالباً بالسلطة المركزية والوزارات ومؤسسات معينة، ويكون في غالبية الأوقات هدفها تنفيذ مصلحة النظام ومَن هم في الحكم أكثر من مصلحة الناس، وهذا ما رأيناه في بيروت لجهة المياه على سبيل المثال».
وتابع «كل الدول المتحضرة اليوم تنتهج حوكمة محلية معينة، حتى لو اختلفت التسميات. ألمانيا، سويسرا والامارات كل هذه الدول لديها حوكمة محلية. أمّا في لبنان فيتمّ إلهاء الناس بالمصطلحات وتخويفهم من التقسيم وأمور أخرى، فيما الحوكمة المحلية الجيدة هي خدمة للجميع».
اللامركزيّة تحيي التنافس الديمقراطي
وعن مشكلة النفايات، والمياه وغيرها من القطاعات، رأى منيمنة أنّ «حلها كلّها يكون من خلال اللامركزية. وحتى السياحة ممكن أن تنتعش، عندما يكون هناك إمكانية المبادرة عند الناس، يصبح هناك تنافس ديمقراطي هادف على المشاريع ضمن الدائرة الواحدة وعلى السياسات العامة بين الدوائر المختلفة. فعلى سبيل المثال، عندما يرى ابن الجنوب أنّ الشمال قام بعدّة مشاريع ناجحة وأتاح النهوض لمنطقته، لن يلوم الوزارة أو الحكومة بل سيلوم مَن هم في الحكم المحلي في دائرته وهذا سيخلق تنافساً وتشجيعا في الوقت عينه».
وختم منيمنة أنّ «أيّ إقرار لقانون اللامركزية ضمن مركز ضعيف ويشوبه الهدر والفساد ستكون لامركزية مبتورة بحيث أنّ الحوكمة المحلية تحتاج إلى مركز قوي وكذلك الى رقابة لاحقة توفّر للناس إمكانية المحاسبة». حيث رأى أنّ دور المجلس النيابي الحالي هو تحديد النقاط المختلَف عليها، وإعادة النظر بالقانون إذا احتاج الأمر لذلك؛ وطالب منيمنة بأن يكون هناك «ورشة عمل من نواب مختصّين لأنّ المشروع عمره عدّة سنوات، وهناك ظروف تغيرت في البلد. وعلى المجلس النيابي إقرار المشروع لأنّه من أهمّ القوانين».
اللامركزية بعيدة من التقسيم وحلّ لإطفاء نار ثورة جديدة
كذلك كان لـ»نداء الوطن» حديث مع النائب المنتخب عن دائرة البقاع الثانية غسّان سكاف الذي رأى أنّ «اللامركزية هي تنظيم إداري يقوم على إعادة هيكلة السلطة في الدولة بحيث تُعطى الإدارات المحلية إستقلالية في تسيير شؤونها الخاصة من أجل الوصول الى إنماء متوازن اقتصاديّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً وثقافيّاً وتربويّاً. واللامركزية تعطي أوسع الصلاحيات للمناطق ولكنها تبقى ضمن الدولة الواحدة وبعيدة من أي منحى تقسيمي وذلك انطلاقًا من إتفاق الطائف».
وبالنسبة إلى سكاف «اللامركزية هي من أهم المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية. اليوم في ظلّ الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي للدولة المركزية وفي ظلّ عجز الدولة عن تأمين ظروف عيش كريم لمواطنيها ربما تطبيق اللامركزية واستحداث مجالس محلية منتخبة سيساهمان في إطفاء نار ثورة جديدة نراها تلوح في الأفق».
ووعد سكاف من موقعه «سنعمل على إرسال اقتراح قانون يعتمد القضاء كوحدة لامركزية ولا يمسّ بصلاحيات البلديات، ولكنه يستحدث صندوقاً لامركزياً يحلّ محلّ الصندوق البلدي المستقلّ ويخضع لمعايير توزيع تعتمد مؤشّرات علمية وموضوعية تراعي ضرورة الإنماء المتوازن وأولوية النمو المحلي».
في المحصّلة، مهما تعدّدت الآراء واختلفت المصطلحات، يبقى أنّ اللبنانيّين اليوم بحاجة إلى الحدّ الأدنى من الاستقلاليّة الممكنة لتسيير شؤونهم، فهل مَن يتجرّأ في مجلس 2022 على سحب قانون اللامركزيّة الإداريّة من الأدراج ويعمل على توسيعه وإقراره خدمة لمَن تبقّى مقاوماً في هذا الوطن؟