اخبار بارزةلبنانمباشر

الحريري… غاب فحضر بقوّة

حتى الساعة ليس هناك أي معطى يفيد بتراجع الرئيس سعد الحريري عن قراره وعودته إلى ممارسة الحياة السياسية. هذا الواقع لا يعني بالضرورة أنّ الحالة الحريرية وعلى رأسها الحريري نفسه، باتت خارج الحياة السياسية. منذ صدور نتائج انتخابات 15 أيّار وصولًا إلى تسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، لم يكن طيف الحريري حاضرًا فقط لا غير، بل كان فاعلًا جدًا في حسم انتخابات رئاسة المجلس، وكذلك ترجيح كفّة ميقاتي على السفير نوّاف سلام.

وبالعودة إلى أصل هذا الحضور، هل كان حضورًا فرضته القوى السياسية الحليفة للحريري، أم أنّ هناك أسبابًا موجبة عززت هذا الحضور؟

بالطبع، لا يمكن بتاتًا استبعاد رغبة الأفرقاء السياسيين، وتحديدًا الثنائي الشيعي وبعض حلفائه، بحضور الحريري على الساحة اليوم، أكان من خلال حصّة نيابية وازنة أو تمثيل وزاري، وكذلك المشاركة والموافقة على اسم الرئيس المكلّف. ولكن، كل هذا لا يعني أنّ الحضور كُرّس بفعل رغبة الآخرين، بل إنّ واقع الأمور يقول إنّ الحالة الشعبية لتيار «المستقبل» وزعيمه لا تزال حاضرة، وهي تشكّل أكثرية سنّية على امتداد لبنان، من العرقوب وصيدا إلى عكار، مرورًا بالإقليم وبيروت وطرابلس.

وصول كتلتين إلى المجلس النيابي، أو على الأقل كتلة نيابية ومجموعة من المستقلين الخارجين جميعًا من رحم «المستقبل»، كان كفيلًا بإظهار حجم شارعه بعد عزوف الحريري. ولأنّ المقاطعة لم تكن مطلبًا حرفيًا ومباشرًا من الحريري تجاه جمهوره، إرتأى هذا الجمهور أين يصوّت وأين يقاطع وأين يوجّه رسائل بمثابة ضربات من تحت الأحزمة، لكل من سعى إلى تشكيل حالة إلغائية ترث الحريري غصبًا عن إرادة جمهوره.

هذه القرارات، التي بالطبع هناك من أدارها ووجّهها وأرشدها وقاس موازينها وارتداداتها، ساهمت بما لا يقبل الشك في تحويل كتلة «الحريريين» في المجلس «بيضة قبّان» تغيّر في شكل الأكثرية حينًا، وتوجّه القرار السياسي العام في البلد في معظم الأحيان. وجود هذه الكتلة، النابعة أصلًا من القرار الشعبي السنّي، ألزمت مختلف الأفرقاء، من يريد منهم الحريري ومن يبغضه، أن يعود إليه أو إلى من يمثّله عند مختلف المنعطفات الأساسية، والاّ يصدر أي قرار تسووي تقليدي كما جرت العادة في لبنان، من دون رأي المرجعية السنّية السياسية المتمثّلة بـ«بيت الوسط» وتيار«المستقبل».

استحقاقات مقبلة ينتظرها اللبنانيون، وهنا أيضًا لا يمكن تجاوز «النَفَس الحريري» الذي لا يزال مكوّنًا أساسيًا، في تشكيل هذه الحكومة، وإن تشكّلت، لا بدّ لميقاتي أن يقف على خاطر «المستقبليين»، أكان من خلال توزير ممثل عن كتلة عكار أو المستقلين في المناطق، أو من الإبقاء على الوزراء الذين سمّاهم تيار «المستقبل» في حكومة تصريف الأعمال.

أمّا في ما يخص رئاسة الجمهورية، فسيكون للنواب «الحريريين» التأثير الأكبر والمباشر في اختيار رئيس جمهورية لبنان المقبل، وهذا الأمر بالطبع قد يحمل بطريقة أو بأخرى تسويةً مسبقة على إسم رئيس حكومة العهد الجديد، وكذلك شكل حكومته.

وبقراءة عامة وسريعة، وبعيدًا من تقييم أدائه السياسي في السنوات الأخيرة، بات واضحًا أنّ الظروف لم تنل من الحريري، لا من خلال الحضور الشعبي ولا حتى القبول السياسي. وريثما تمرّ فترة «تقطيع الوقت» على الرغم من حساسيتها، وحصول الانتخابات الرئاسية، ومراقبة المتغيّرات الإقليمية، الساحة جاهزة للحريري إن أراد العودة على صهوة واقع يقول، إنّه المبتعد الذي يملأ مكانه جيّدًا.

المصدر : الجمهورية

مقالات ذات صلة