لبنانمباشر

عودة لـ”الزّعماء”: الشعب يعيش خيبة أمل.. ارحموه!

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.

بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “يبدأ إنجيل اليوم بالإشارة إلى عضو مهم في الجسد البشري هو العين. يصفها الرب إلهنا بالسراج، ونحن نعلم أن السراج هو أداة نستخدمها في الظلمة كي نستنير بهدي نورها. لماذا العين سراج؟ إذا أغمضنا عينينا وحاولنا أن نقوم بأي عمل، لن نستطيع إلى ذلك سبيلا. يتابع الرب قوله: “فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما. وإذا كان النور الذي فيك ظلاما، فالظلام كم يكون!”. هنا، لا يتكلم الرب يسوع على العين الجسدية فقط، إنما يربطها بعين الروح، وبالحالة الروحية للانسان. إذا، عدا عن كونها عضوا في جسد الإنسان، تمثل العين نافذة إلى داخل النفس البشرية. مثلا، إذا أردنا معرفة مدى صدق الآخر، ننظر في عينيه، فإذا أشاح بنظره عرفنا أنه لا يقول الصدق. وإذا أراد إنسان إدراك محبة الآخر له، ينظر في عينيه. تاليا، نحن ندخل من العين لنغوص في عمق قلب الإنسان وروحه. لهذا، يربط الرب بين العين، وبين البساطة والشر، بين النور والظلام”.

أضاف: “خلق الله الإنسان على صورته ومثاله. لذلك، على كل إنسان أن يتعامل مع الآخر كأنه يتعامل مع أيقونة إلهية. عليه أن يكون بسيطا في رؤيته للآخر. عليه ألا يرى في الآخر سوى حسناته، وأن يعمي عينيه عن خطاياه، وأن يعكس هذا الأمر في نظرته إلى نفسه، فلا يهتم بحسناته الشخصية لئلا يقع في الكبرياء، وأن يرى خطاياه حتى يتعلم التوبة والتواضع. في نظرتنا إلى الآخر يجب أن نتذكر الوصية العاشرة: “لا تشته بيت قريبك، ولا تشته إمرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك” (تث 4: 13). أيضا، علينا أن نتذكر قول الرسول بولس: “المحبة لا تحسد” (1كو 13: 4). في اللغة العامية، هذا يعني أن لا تكون عين المرء “فارغة”، وبحسب قول الرب “شريرة”. فالإنسان الجشع والحسود والحقود والذي غادرت المحبة كيانه لا يمكن لعينه إلا أن تكون شريرة، لأن الشر قد أظلم النور الذي في نفسه. أحيانا، يسمح الإنسان للشيطان أن يبذر في النفس البشرية بذور الشر، ثم يغذي تلك البذور حتى تتجذر، وتعلو، فتغطي شمس النعمة الإلهية. النعمة الإلهية لا تغيب من داخل الإنسان، لكن بعض البشر، بحريتهم الشخصية، يفضلون أن يعيشوا في الظلمة وظلال الموت، موت الخطيئة. فإن أصبح الإنسان عبدا لخطاياه وشهواته، “الظلام كم يكون!”.

وتابع: “الظلام الذي نعيشه في بلدنا، هو بسبب العين المظلمة الشريرة. فالمواطن لا يرى في أخيه المواطن سوى فريسة، فيحتكر ويرفع الأسعار ويظلم ويستقوي، وبدلا من صب جام غضبه في المكان المناسب من أجل التحرر والصعود من الحفرة، نجده يعمق هوة الموت ليدفن أخاه ويحيا هو فقط. وذوو السلطة والمال يتلاعبون بمصير البشر في هذا الوطن المجروح ويستغلونهم. أليس هذا الظلام الذي وصلنا إليه بسبب العين الشريرة؟ فما الأحلك الذي ينتظرنا بعد؟ يتابع الرب يسوع قوله في إنجيل اليوم: “لا تستطيعون أن تعبدوا الله والمال”. الإنسان الذي تكون عينه بسيطة ونيرة ويرى في الآخر صورة إلهية، هذا يعبد الله حقا. أما الذي أظلمت عينه وأصاب الشر كيانه، فإنه لا يرى في البشر إلا أموالهم وممتلكاتهم، ولا يعمل إلا من أجل مصلحته، حتى يضمن لنفسه حياة، يظنها كريمة، إلا أنها قائمة على إذلال صورة الله الموجودة في البشر”.

وقال عودة: “الطمع يدمر الطبيعة، بكل عناصرها. فرغبة الإنسان غير المستكينة في زيادة الممتلكات، وإنفاقه أضعاف ما يحتاج إليه، قد أخلا توازن البيئة والطبيعة والمجتمع. حل هذه المشاكل لا يكمن في النظريات بل في الأعمال النافعة، في علاج تفكك الإنسان الداخلي الذي منه تنبع المشاكل. فإذا عالج المسؤول جشعه للسلطة والتصاقه بالمناصب والمراكز واستغلالها لمآرب شخصية، لحلت معظم المشاكل لأن ذلك سيؤدي إلى ظهور التعاطف والمحبة والإحترام للآخر، كل آخر. وإذا عالج التجار، الذين من الشعب، طمعهم وعشقهم للمال، لما جاع أحد أو ذل في الطوابير أو مات بلا دواء… وإذا عمت القناعة والمحبة والرأفة، وانتفى حب المال والسلطة عند الجميع، مواطنين ومسؤولين، نكون قطعنا الخطوة الأولى نحو الإصلاح”.

أضاف: “مشكلتنا في هذا البلد هي العين الشريرة الفارغة الموصلة إلى عبادة المال ونكران الله. لكي ينهض بلدنا مجددا، نحن بحاجة إلى الرحمة البشرية لكي نستحق أن ينعم الله علينا برحمته الإلهية. على الزعماء والمسؤولين أن يرحموا الشعب، وعلى الناس أن يرحموا بعضهم. بلدنا ينهار لأن كل نقيب أو تاجر أو تكتل أو حزب أو مسؤول لا يفعلون إلا تحميل المواطنين أعباء تفوق قدرتهم وتحمل اليأس إلى نفوسهم. كلهم يحاضرون بالعفة ويحملون لواء الخدمة ومحاربة الفساد، وحتى الآن لم تظهر نتائج أعمالهم الصالحة التي يدعون القيام بها. الشعب يعيش خيبة أمل كبيرة بسبب الحياة السياسية الباهتة التي يشهدها. الانقسامات والتباينات والضياع والخفة في التعاطي مع وضع جد خطير تؤرق اللبنانيين. الفرص تضيع، واليأس يتجذر في النفوس، وما زال مدعوو التغيير يتخبطون دون الرسو على ميناء التفاهم والتكاتف والوصول إلى خطة عمل واضحة وفعالة. على الجميع أن يخرجوا من كبريائهم وأنانياتهم ومصالحهم، وينظروا فقط إلى مصلحة البلد وخير المواطنين. أمامهم استحقاق يتخطى تأليف الحكومة التي نأمل أن تؤلف بأسرع وقت من أشخاص لا يبتغون إلا العمل والخدمة والمساهمة في الإنقاذ، غير متمسكين بحقيبة معينة، أو طامحين إلى مركز وسلطة، أو يضمرون خطة أو يبتغون تعطيلا. اليوم وقت الإسراع في تشكيل حكومة تحمل خطة واضحة للانقاذ، حكومة على مستوى الظرف العصيب وعظم هموم المواطنين، لا حقيبة فيها مكرسة لطائفة أو حزب، ولا حقيبة لاسترضاء جهة أو طرف، بل حكومة مؤلفة من وزراء لا شك في كفاءتهم وخبرتهم ووطنيتهم وأخلاقهم ونزاهتهم، جل همهم افتداء الوقت ولو كان قليلا”.

وتابع: “الاستحقاق الآتي هو انتخاب رئيس للبلاد، وعلى مجلس النواب أن يقوم بواجبه بحسب ما يمليه دستور بلادنا، وأن ينتخب رئيسا ضمن الفترة المحددة، وأن يكثف اجتماعاته وينهمك بالعمل الرقابي والتشريعي، عل الحياة الديموقراطية تزهر مجددا وتعطي ثمارا نافعة”.

وختم عودة: “أخيرا، يدعونا الرب إلى أن نطلب أولا ملكوت الله وبره، عندئذ كل الأمور ستمنح لنا. نحن لا نصل إفراديا إلى الملكوت، ولا نتمم بر الله من دون ميزان، هو محبة الآخر. لذا، دعوتنا اليوم هي للعمل على إرساء المحبة وكل الفضائل الإلهية على هذه الأرض وبين إخوتنا البشر، وعندها سيتمم الله كل ما نحتاجه من دون أن نطلب”.

مقالات ذات صلة