اربع سنوات عجاف
في الأيام العادية كانت تقسّم ولاية رئيس الجمهورية إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول يمتدّ من اليوم الأول لتسّلم رئيس الجمهورية مهامه الدستورية حتى إنطواء السنتين الأولتين. هذه الفترة كانت تُعرف بالفترة الذهبية لكل رئيس، حيث كان الزخم في الإنتاج هو المسيطر والسائد، وهو أمر إنسحب على كل العهود تقريبًا مع بعض الإستثناءات.
أما الفترة الثانية، وهي الثلث الثاني من الولايات الرئاسية فكانت تتسم بالهدوء النسبي، مع تراجع في الزخم الإنتاجي، حيث كانت المصالح الخاصة والعائلية هي الطاغية، وذلك بسبب التفكير المتأصل في الخلفيات الرئاسية، والتي تتمحور عادة في التفكير بالتمديد، وهذا ما كان ينعكس شللًا ناتجًا عن بعض المسايرات التي كان يضطر الرؤساء المتعاقبون على تمريرها لضمان التمديد.
والفترة الثالثة، أي الفترة المتبقية من العهود الرئاسية كانت أسوأ الفترات، من حيث الإنتاجية لأن المتازحمين على الرئاسة التالية يكثرون، وتبدأ المناكفات ومشاريع التعطيل، مع بروز “صنّاع” الرؤساء، الذين يبدأون بطرح مشاريعهم الرئاسية، مع تفاعل حال الإنحدار السريع نحو الخواتيم غير السعيدة. وهكذا كان الرؤساء الذين تعاقبوا على سدّة الرئاسة الأولى، سواء قبل الطائف أو بعده، أو خلال فترة الوصاية السورية أو بعدها، ينهون ولاياتهم غير الممدّة مع إستثناءات غير حميدة ، الأمر الذي إنعكس في الإجمال على الأداء الرئاسي، الذي كانت الشخصانية و”الأنا” تلعب أدوارًا عكسية مّا كان يريدون هؤلاء الرؤساء تحقيقه وتسجيل بعض الإنجازات، التي كانت تُنسب إلى عهودهم.
هل يتحوّل الرئيس عون إلى… “إميل لحود” ثانٍ؟!
عون يتجرع سمّ التكليف… ويتربص بالحريري عند كوع التأليف!
وفي مراجعة سريعة لمسار الرؤساء الذين تعاقبوا على الرئاسة يُلاحظ أن قّلة منهم كانوا يمثّلون نبض الشارع المسيحي، ولكن لم يجروء أحد منهم على الإدّعاء بأنه كان الأقوى في بيئته، على رغم شعبية الرئيس كميل شمعون، بإستثناء الرئيس العماد ميشال عون، الذي يشكّل حيثية خاصة في مسار التسلسل الطبيعي للحوادث، التي قادته إلى السدّة الرئاسية، والتي تمثّلت بالحال “العونية”، وهو الذي جاء إلى “جنّة” الحكم على أساس “الرئيس القوي، والذي على أيامه تحّولت هذه “الجنة” إلى “جهنم”، على حدّ إعترافاته الصريحة.
لقد جاء الرئيس عون إلى الحكم، وهو مثقل بورقتي تفاهم وبتسوية، سُمّيت رئاسية. فورقة تفاهم “مار مخايل” بين “التيار الوطني الحر”و “حزب الله” يراها البعض أنها كانت بمثابة رافعة من شأنها أن تؤّمن التوازن بين فئة من الموارنة وفئة من الشيعة، لكن البعض الآخر كان يرى في هذه الورقة إنتقاصًا من حيثية الأطراف غير الممثلة بهذا التفاهم. أما ورقة التفاهم الثانية فكانت مارونية – مارونية وسُمّيت بـ”إتفاق معراب” بين “التيار و”القوات اللبنانية”، الذي جاء بعد مصالحة “أوعى خيّك”، وقد إعتبر كثيرون بعدما كُشفت عما تتضمنه ورقة التفاهم هذه أنها ولدت ميتة لأنها في الأساس إستبعدت المكونات المسيحية الأخرى، والتي تضمّ كلًا من حزب الكتائب وتيار “المردة” والنواب المستقّلين. إلاّ أن هذا الإتفاق سقط عند أول إمتحان على رغم وقوف “القوات” في صفّ داعمي مجيء الرئيس عون إلى السدّة الرئاسية.
أمّا التسوية الرئاسية، التي قامت بين الرئيسين عون وسعد الحريري، فكانت جسر عبور لكل منهما لتزخيم موقعه في الرئاستين الأولى والثالثة على إمتداد العهد الرئاسي “القوي”. إلاّ أن هذه التسوية شهدت طلعات ونزلات، وذلك ووفق ما إعترف به الرئيس الحريري نفسه، عندما هوت وانهارت تلك التسوية، وذلك يعود إلى “طموحات” صهر العهد النائب والوزير السابق جبران باسيل. وهنا تبدأ سلسلة المآخذ التي تؤخذ على العهد، حيث شُبّه باسيل بـ”السلطان سليم” في عهد الرئيس بشاره الخوري.
فعهد الرئيس عون دون سائر العهود لم يقسم إلى ثلاثة أثلاث، بل كان وحدة متكاملة من حيث الأحداث والنتائج، التي يعتبرها كثيرون بأنها كانت كارثية، من حيث تدهور سعر صرف الليرة ووصول الوضعين الإقتصادي والمعيشي إلى أدنى مستوياته، بحيث بلغ مستوى الفقر درجات عالية النسبة بعدما إضمحلت الطبقة الوسطى بفعل تلاشي مدخراتها في المصارف، ناهيك عن الوضع السياسي المتأزم على وقع نبض الشارع فكانت السنوات الأربع من “العهد القوي” سنوات عجاف وسنوات قاحلة وماحلة، على حدّ وصف بعض المنتفضين والرافضين لهذا الواقع المأزوم.
المصدر: لبنان 24