احتدام صراع الرّئيس وحاكم “المركزي”
كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
بلغت المواجهة بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون ذروتها، بعد قيام أحد الأجهزة الأمنية بمداهمة منزل الحاكم ليل الثلاثاء لاعتقاله، مستنداً إلى مذكرة إحضار جديدة أصدرتها المدعية العامة في جبل لبنان غادة عون بحقه، وطلبت فيها من جهاز أمن الدولة الانتقال إلى منزله وتنفيذها فوراً لكن المحاولة باءت بالفشل.
وطرح اقتحام منزل سلامة مجدداً الكثير من التساؤلات، خصوصاً أنه حصل بنفس التوقيت الذي كان يجري فيه مقابلة تلفزيونية في محاولة للقبض عليه على الهواء مباشرة، ليتبين لمن نفذ المهمة أن المقابلة مسجلة في وقت سابق وجرى بثها ليلاً. وأوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن القاضية عون «انتقلت بنفسها إلى موقع المنزل في الرابية (جبل لبنان) لمواكبة مهمة الدورية الأمنية، لكنها عادت أدراجها بعد أن أبلغها حارس المبنى والسكان أن سلامة غير مقيم في هذا المنزل، ولم يتردد إليه منذ فترة طويلة». وأكد المصدر أن القاضية عون «انتقلت اليوم (أمس) بمواكبة أمنية مجدداً إلى منزل سلامة الذي سبق ووضعت إشارة قضائية عليه، وفتشته بشكل دقيق أجرت جردة على موجوداته». ولفت إلى أن هذه القاضية «تلاحق سلامة في خمسة ملفات في جبل لبنان، وتجد نفسها الآن بموقع القوي، مستندة إلى قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي أحال سلامة إلى النيابة العامة في بيروت وطلب الادعاء عليه».
الخلافات الحادة بين الفريقين بدأت تبرز بشكل أكبر، بعدما حمل رياض سلامة رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وحلفاءهما من دون أن يسميهم، مسؤولية الانهيار المالي، وأكد في المقابلة التلفزيونية، أن مصرف لبنان «أنفق على مؤسسات الدولة منذ أواخر العام 2010، بداية حكومة نجيب ميقاتي التي شكلها تحالف التيار العوني و«حزب الله»، ما يزيد على 62 مليار دولار، وهذه الأموال دفعت بموجب قوانين صادرة عن المجلس النيابي ومراسيم للحكومات، بينها 26 مليار دولار على قطاع الكهرباء الذي تسلمه وزراء التيار الوطني الحر منذ العام 2009».
وظل الغموض يلف قرار غادة عون المفاجئ، لجهة تسطير مذكرة إحضار بحق حاكم «المركزي» ليلاً وخلال مشاهدتها للمقابلة التلفزيونية، إلا أن عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل قال لـ«الشرق الأوسط»، إن القاضية عون «كانت استدعت سلامة إلى جلسة تحقيق في مكتبها في قصر العدل ظهر يوم الثلاثاء، لكنه لم يحضر جلسة الاستجواب، ولم يرسل معذرة تبرر غيابه، ما استدعى إصدار مذكرة إحضار جديدة بحقه خلال النهار وقبل ساعات من بدء المقابلة، وكلفت جهاز أمن الدولة بتنفيذها». وشدد على أن سلامة «لن يفلت من الملاحقة القضائية مهما تهرب ومهما طلب الحماية».
ورداً على تلميح حاكم البنك المركزي إلى أن «البعض في الداخل دس معلومات ملفقة ضده أمام القضاء الأوروبي»، اعترف المحامي وديع عقل أنه كان «سبباً وراء تحريك عدد من الملفات ضده في الخارج، وأنه سلط الضوء على حجز أبنية يملكها في أوروبا قام بتصويرها وعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي».
وبمعزل عن التفسيرات السياسية التي تُعطى لقرارات القاضية عون المحسوبة على رئيس الجمهورية وفريقه، لفت القيادي في التيار الوطني الحر، إلى أن «إدارة النيابة العامة التمييزية لملف سلامة القضائي كانت دقيقة، وأن هناك الكثير من الأدلة والمستندات التي أوصلت إلى قناعة حقيقية للادعاء عليه»، مشيراً إلى أن «ما حصل في النيابة التمييزية يعزز قدرات القاضية عون على المضي بملاحقته». وأضاف المحامي عقل «يكفي أنه ملاحق في سبع دول أوروبية، وهناك أكثر من عشرة مدعين عامين وقضاة تحقيق أجانب حركوا الدعاوى ضد سلامة، لا يمكن أن يكونوا مسيسين جميعاً».
وكان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وصف سلامة بأنه «حرامي»، لكن الأخير رد على هذا الاتهام معتبراً أن باسيل «هو الأعرف بهذا التوصيف»، متهماً رئيس التيار الوطني الحر من دون أن يسميه بأنه يسعى للسيطرة على البنك المركزي، قائلاً: «هناك من يحاول وضع يده على المصرف المركزي، وأنا واجهت هذه المحاولة، ولا أستطيع إعطاء أسماء، ولكن من الواضح من تكون هذه الجهات».
ولا تطال حملة العهد وفريقه «مصرف لبنان» وحده، بل شملت مصارف لبنانية كبرى تولت القاضية عون المحسوبة على رئيس الجمهورية ملاحقتها تباعاً، واعتبر المحامي صخر الهاشم الوكيل القانوني لعدد من المصارف اللبنانية، أن «الملاحقات القضائية بحق سلامة والمصارف تنطلق من ملفات فارغة وقائمة على شبهات هشة، لا تستند إلى أي مرتكز قانوني، بدليل الخلافات القائمة بين النيابات العامة في بيروت، وتقاذفها ملف سلامة ورفض الادعاء عليه تحسباً من تبعاته». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحريك عشرات الدعاوى ينطلق من أهداف سياسية معروف من يقف خلفها، والمقصود بها تهديم القطاع المصرفي». وقال: «في الظروف الحالية لا أحد يستطيع إقالة رياض سلامة أو الإطاحة به»، مشدداً على أن «الخطأ الذي ارتكبه رياض سلامة أنه امتثل إلى قرارات السلطة السياسية سواء المراسيم الحكومية أو القوانين الصادرة عن المجلس النيابي التي ألزمته تمويل الدولة، وكان يفترض به أن يرفض تنفيذها وتتحمل الحكومات المسؤولية أمام الشعب»، لافتاً إلى أنه «لو امتنع المصرف المركزي عن تمويل الدولة وسداد العجز لكانت الدولة أفلست منذ عشر سنوات».