وسط بيروت… لا حياة لمن تنادي!
كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
يُشبه وسط العاصمة بيروت إلى حد بعيد الحالة اللبنانية العامة. هذه المنطقة التي تحولت إلى مدينة أشباح، خصوصاً في العامين الماضيين بعدما ارتفعت فيها جدران طويلة من الإسمنت لإبعاد المحتجين عن المجلس النيابي، وبعدما أقفلت معظم المحال التجارية، وتعرض قسم كبير منها للتكسير والتخريب، تحاول اليوم العودة إلى الحياة، وإن بخطوات بطيئة وبكثير من الحذر… لكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي.
في السادس والعشرين من أيار الماضي أزيل آخر حاجز إسمنتي عن مداخل ساحة النجمة، حيث مبنى البرلمان. جاء ذلك بعد ضغوط شتى استبقت الجلسة الأولى للمجلس النيابي الجديد باعتبار أن عدداً من الذين كانوا يشاركون بالتظاهرات التي شهدها البلد ضد «المنظومة السياسية» باتوا نواباً، وبالتالي لم يعد ينفع عزل مبنى البرلمان عن محيطه. لكن كما يبدو، فإن الثقة لا تزال مفقودة بين الناس والمسؤولين. فبدل أن يؤدي رفع الجدران إلى توافد المواطنين إلى ساحة النجمة التي لطالما كانت وجهة سياحية لكثيرين، تم استبدال الحواجز الإسمنتية بأخرى «أخف» من الحديد. كما أن الدخول إلى المنطقة لغير العاملين فيها ممنوع. لدى سؤالنا أحد رجال الأمن الذي يتولى حراسة أحد المداخل عما إذا كان الدخول متاحاً من هذا المدخل أو أي مدخل آخر قال: «المنطقة لا تزال مقفلة على عامة الناس. هناك بعض الأعمال في عدد من المطاعم، لكنها في بداياتها. قد يُسمح بفتح المنطقة من جديد في الأسابيع المقبلة، لكنها حالياً مقفلة».
الحركة في الشوارع الفرعية التي تؤدي إلى «ساحة النجمة» منعدمة تماماً. هذه الشوارع التي تضم عدداً كبيراً من المطاعم تبدو بحالة من الاستسلام، أشبه بمحارب وضع سلاحه جانباً منذ سنوات ولا ينوي القتال من جديد.
منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عام 2005، بدأ الشلل يتسلل إلى وسط بيروت، ومع الأحداث المتتالية التي شهدتها البلاد كانت الحركة تتراجع. كثير من المستثمرين وأصحاب المحال التجارية استسلموا سريعاً، أقفلوا مؤسساتهم وغادروا. آخرون قرروا «المقاومة» وظلوا متمسكين بالبقاء قبل أن تأتي احتجاجات 17 تشرين الأول 2019 لتدفع هؤلاء بالقوة إلى المغادرة بعد أعمال العنف التي مارسها رجال الأمن بوجه المتظاهرين ما حول شوارع وسط بيروت لساحة حرب، كما أن كثيراً من المتظاهرين لم يتوانوا عن اللجوء لأعمال التخريب والتكسير للتعبير عن سخطهم، وهي أعمال طالت ممتلكات عامة وخاصة على حد سواء. ما لم يحطمه هؤلاء، تضرر بشدة جراء انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، وقد أتى الانهيار المالي المتواصل واحتجاز المصارف لأموال المودعين ليعمق أزمة «وسط بيروت» وأصحاب المؤسسات التجارية فيها.
في الجهة العليا من المنطقة لا يزال شعار «أنا أحب بيروت» الملون صامداً بغياب السياح الذين لطالما تجمعوا حوله لالتقاط الصور. هناك حيث السوق التجاري يضم مئات المحال، لا يزال نحو 10 محال فقط تفتح أبوابها، بحيث يعول أصحابها على موسم سياحي يعد المعنيون بالقطاع أنه سيكون مزدهراً، مع توقع وصول أكثر من مليون سائح حتى شهر أيلول المقبل.
وتتابع وزارة السياحة عن كثب الوضع في وسط بيروت بإطار مساعيها للنهوض بالمنطقة باعتبارها وجهة سياحية رئيسية في البلد كما في كل دول العالم. ويشير وزير السياحة وليد نصار، إلى أنه تتم متابعة مسألة فتح الشوارع التي لا تزال مغلقة من قبل الوزارات المختصة، بالتحديد من قبل وزارة الداخلية التي تنسق مع أمن مجلس النواب، معتبراً أن إعادة فتح الأسواق والمحال التجارية تحتاج وقتاً وثقة. وأضاف نصار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «بإطار جهودنا للنهوض بالمنطقة نخطط لإقامة أسبوع كامل من المهرجانات، بحيث تنقل كل المهرجانات الدولية الموزعة بين المناطق لتقام في وسط العاصمة مع تخصيص شارع فرعي لكل مهرجان، على أن يحصل ذلك كحد أقصى نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل». ورداً على سؤال عمن يتحمل مسؤولية موت وسط المدينة، قال: «موت بيروت يتحمل مسؤوليته من أغلقوا المدينة وكسروها وأحرقوها وتعدوا على الأملاك العامة والخاصة».
ولا تزال الكثير من الشعارات التي تدعو لإسقاط «النظام» وأركانه، التي كتبها المحتجون قبل عامين على جدران المباني المحيطة بالمجلس النيابي، موجودة بعدما تم العمل على إزالة القسم الأكبر منها.
ويختلف وضع المنطقة في ساعات النهار عما هو عليه في ساعات الليل. فالحركة الخجولة صباحاً وظهراً تتلاشى تدريجياً مع تقدم ساعات الليل ليتحول «الوسط» مجدداً «مدينة أشباح»، خصوصاً في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء.
ويربط رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، بين عودة الحياة إلى هذه المنطقة وبين تأمين عوامل الثقة والاطمئنان للزوار والمستهلكين، معتبراً أنه «كلما خففنا من العوائق والدشم كلما كان لذلك وقع نفسي أفضل على الزوار». ويشير شماس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «يمكن تقسيم المنطقة إلى قسمين؛ الأول في الجهة العليا، حيث شارع المصارف وساحة رياض الصلح وساحة الشهداء، حيث الوضع منذ نحو 17 عاماً سيئ جداً، بحيث كل المحال التجارية مقفلة والمنطقة مهجورة، أما القسم الثاني فهو في الجهة السفلى، حيث الوضع أفضل قليلاً، هناك من أصل 7 محال تجارية واحد أو اثنان لا يزال يفتح أبوابه»، مضيفاً: «ولكن بكل الأحوال إذا كان هناك جزء ميت في المنطقة فذلك يمتد تلقائياً على باقي الأجزاء». ويشدد شماس على أن «النهوض بوسط بيروت مجدداً لا يمكن أن يتم بكبسة زر، فقد يتطلب ذلك موسماً سياحياً أو اثنين، بحيث إذا كان هناك زوار بأعداد جيدة للمنطقة هذا الموسم، فذلك سيحمس التجار على إعادة فتح مؤسساتهم. مع التذكير أن الإيجارات مرتفعة جداً، لذلك أحد لن يجازف بالعودة قبل ضمان أن يكون هناك مردود مضمون».