الطعون تفتح المعركة… والمجلس الدستوري أمام امتحان حقيقي
كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
يدخل النواب المنتخبون المطعون بفوزهم مرحلة حبس الأنفاس، ويتحضرون لمعركة الاحتفاظ بمقاعدهم التي لا تقل أهمية عن المعركة الانتخابية التي أوصلتهم إلى الندوة النيابية، وذلك بعد إقفال باب الطعون بنتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدها لبنان في 15 أيار.
وبلغ عدد الطعون 15 طعناً شملت 18 نائباً فائزاً، موزعين على مختلف المناطق، إذ سجل طعن واحد لكل من دوائر بيروت الأولى والثانية، الجنوب الأولى والثالثة، جبل لبنان الثانية والثالثة، البقاع الأولى والشمال الأولى، فيما حظيت دائرة الشمال الثانية (طرابلس – المنية – الضنية) بالعدد الأكبر وهي أربعة طعون.
ويتحدث مقدمو الطعون عن مخالفات وشوائب أدت إلى تغيير النتائج وخسارتهم المقعد النيابي، إلا أن ذلك لا يعني أن أصحاب هذه المراجعات حققوا مرادهم، فالمجلس الدستوري يبني قناعاته على معايير يفترض توفرها في أي طعن. ويحدد الخبير الدستوري المحامي الدكتور عادل يمين، المسار الذي ستسلكه هذه الطعون قبل البت بها، ويلفت إلى أن المجلس الدستوري «سيعين مقرراً لكل طعن، وهذا المقرر لديه مهلة ثلاثة أشهر لإنجاز تقريره وتسليمه إلى المجلس الذي عليه البت به في مهلة شهر واحد كحد أقصى». ويشير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مهمة المجلس الدستوري «تركز على درس العيوب والأخطاء الحسابية والمخالفات والجرائم الانتخابية، التي أدت إلى إفساد النتيجة المعلنة». ويقول يمين: «بعد أن يتحقق المجلس من الأخطاء، عليه أن يتفحص ما إذا كانت كمية الأصوات التي تأثرت بتلك العيوب والشوائب تسببت بالفوز المعلن وخسارة المعترض (المرشح الخاسر)، إذ لا يكفي أن تكون وقعت مخالفات، بل يجب التثبت مما إذا كانت هذه المخالفات تسبب بخسارة المعترض، أو إذا كانت المخالفات أدت إلى فارق محدود بالأصوات».
ويجمع مراقبون على أن بعض الطعون تكتسب طابع الجدية، بالنظر إلى العدد الكبير من الأصوات التي نالها المرشح الخاسر، والفارق القريب بين الفائز والمعترض، فيما تفتقر طعون أخرى إلى الجدية نتيجة النسبة البعيدة بين الرابح والخاسر.
ويلاحظ الخبير الدستوري يمين، أنه «بقدر ما تكون الفوارق قريبة بين المعترض (مقدم الطعن) والمعترض عليه (الفائز بالانتخابات)، وضيقة جداً نستطيع أن نترقب احتمال قبول الطعن»، مسلطاً الضوء على ناحية مهمة، وهي أن هذه الطعون «تواجه اليوم تجربة جديدة، وهي أن المجلس الدستوري الذي أنشئ في بداية التسعينيات، وضع نظامه على أساس انتخابات القانون الأكثري، في حين أن انتخابات 2018 و2022 قامت على أساس القانون النسبي واللوائح»، معتبراً أن «المجلس الدستوري يقف اليوم أمام امتحان حقيقي لإثبات قدرته على التعاطي مع هذا الأمر المستجد، لأن إسقاط حجر واحد سيفضي إلى إسقاط حجارة أخرى».
وتستقطب دائرة الشمال الثانية الأضواء، لأن الطعون تطول عدداً من النواب التغييرين الفائزين في طرابلس، ويرى السياسي الشمالي خلدون الشريف (ابن مدينة طرابلس)، أن الطعون التي قدمت من خاسرين في هذه الدائرة «جدية للغاية»، ويعزو ذلك إلى «الاحتكاك والتقارب في الحواصل بين خاسرين وفائزين، لا سيما بين لائحة (النائب السابق) فيصل كرامي ولائحة (النائب الفائز) إيهاب مطر». ويؤكد الشريف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الانتخابات في لبنان كله لم تكن نزيهة، لأن المبالغ المالية التي تنفق تجاوزت كل السقوف القانونية وبشكل سافر، كما أن بعض الأطراف السياسية والحزبية مارست سطوتها القصوى على العملية الانتخابية خصوصاً في المناطق المقفلة مذهبياً».
وسأل: «لماذا نتائج الانتخابات في طرابلس تأخرت عن باقي الدوائر؟، وهل حصل أمرٌ ما خلف الكواليس غيّر النتائج؟».
وإذا كان الطعن حقاً للخاسر لمحاولة استعادة حقه المنتزع الذي أدى إلى خسارته المقعد النيابي، ولمنع التأثير السياسي على نتائج العملية الانتخابية، فقد أبدى الشريف تخوفه من «تأثير الضغوط السياسية على المجلس الدستوري، في محاولة لتطويع قناعاته»، مذكراً بأن «بعض التجارب السابقة لا تبشر بالخير». وفي جوابه على إمكانية أن تؤدي تلك الطعون إلى استعادة أغلبية سابقة، يقول الشريف: «لا يمكن لأي طرف أن يحوز على أغلبية في هذا المجلس، لقد ظهر جلياً خلال انتخابات رئيس المجلس النيابي ونائب الرئيس، وكذلك اللجان أن الكتل تتحرك وفق مصلحتها بين المعسكرات، أما في العمق فلا يزال لـ«حزب الله» اليد العليا في القرار السياسي، وهذا غير مرتبط بعدد، بل بنفوذ وتأثير وسلاح».