لبنان

بالقتال والمساعدات والصور.. هكذا ينخرط أرمن لبنان في حرب قره باغ!

على وقْع أصوات الأناشيد الأرمينية التي تصدح في الأحياء، تجلس الشابة كرستين (20 عامًا) مع عددٍ من رفاقها في منطقة برج حمود، بالضاحية الشرقية لمدينة بيروت، ومن حولهم ترفرف أعلام أرمينيا، للمشاركة في حملة جمع التبرعات المالية للشعب الأرمني والمقاتلين في إقليم ناغورني قره باغ.

وبحسب تقرير بثه موقع قناة “الجزيرة”، فإنّ ذروة الحضور الأرميني يتركز بمنطقة برج حمود، ففي هذه الضاحية الشرقية لبيروت، يقطن نحو 160 ألف نسمة، منهم ما يقارب 150 ألف لبناني من أصول أرمينية.

“الجزيرة” تجولت في حارات برج حمود الضيقة، وهي منطقة ذات طابع شعبي تتداخل فيها الأبنية السكنية بالمحالّ التجارية الصغيرة والمشاغل.

أرمينيا الصغيرة

وفقاً للتقرير، لا يحتاج المتجول لوقت طويل لاكتشاف التجذّر العميق للثقافة الأرمينية في المنطقة، من خلال الكنائس والجمعيات وأسماء المحلات والأعلام والملصقات الأرمينية على الجدران.

وفي الشارع، يتحدث الصغار والكبار اللغة الأرمينية، ولا سيما عند عبور الغرباء، وكأن ثمة لغزًا لا يعرفه سوى الناطقين بلغتهم الأم.

في محل لتصليح السيارات في برج حمود، يجلس مارديغ (48 عاما) حانيًا رأسه نحو الهاتف، يشكو من قلّة العمل التي جعلته يتفرغ لمتابعة أخبار المعارك في قره باغ.

يقول لـ “الجزيرة” إنه يحمل الجنسية الأرمينية، وينتظر حصول أولاده عليها، ويأسف لعدم قدرته على الانخراط في المعارك دفاعًا عن أرمينيا، “بينما نشعر بمحاولة جديدة لإبادتنا في أرتساخ (ناغورني قره باغ) بعد 100 عام من مجزرة طبعت تاريخنا وغيرت مصير حياتنا”.

وعلى بُعد مئات الأمتار، يجلس الشاب الأرميني رازميك كشيشيان (33 عامًا) مع عدد من رجال الحارة الذين يكبرونه سنا، وهو يتابع معهم أخبار أرمينيا، وينتظر حصوله على الجنسية من السفارة الأرمينية، ولا سيما بعد خسارته لمقهى كان يملكه في برج حمود جراء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي.

ومع ذلك لا ينشغل حاليًا سوى بالعمل على جمع التبرعات للشعب الأرميني، ويشير بإصبعه لجاره ويقول للجزيرة نت “هذا دكيران البالغ 50 عاما، هو عاطل عن العمل، تبرع بـ 20 ألف ليرة لبنانية (تساوي دولارين) ليعبر عن تعاطفه مع شعبنا، وسنفعل المستحيل من أجلهم، حتى لو اضطر الأمر أن نتطوع جميعًا بالجيش الأرميني، فإما أن نكون في قضية وجودنا وإما لا نكون”.

ترقب وقلق

منذ اندلاع المعارك الدامية بين أرمينيا وأذربيجان، يعيش أرمن لبنان حالة من الترقب والقلق، ما دفع العشرات منهم للسفر نحو أرمينيا، إمّا لإيصال المساعدات، أو حتى للقتال إلى جانب قواتها، أو لمتابعة المعارك وتوثيق أحداثها بالصور والفيديوهات.

ورغم ذلك، يصرّ معظم أرمن لبنان الذين التحقوا بساحة المعركة، على نفي انخراطهم المباشر في القتال، ويذكّر البعض بأن رغبته في التجنيد تعيقه 3 شروط أساسية تفرضها السلطات الأرمينية على من يرغبون بذلك وهي امتلاك الجنسية الأرمينية، والخضوع للتدريب العسكري، والالتحاق الرسمي بالجيش الأرميني.

هكذا يبرر اللبناني الأرميني طوني أوريان (44 عامًا) ذهابه إلى أرمينيا في بداية أكتوبر/تشرين الأول، ولا سيما أن صوره من هناك كشفت عن ارتدائه زيا عسكريا أرمينيا، إلى جانب جنود أرمن، ويوضح أن بعض صوره الشخصية تظهر شريط الكاميرا على عنقه، وهو يستعدّ مجددًا للسفر إلى أرمينيا، لاستئناف مهمته بتوثيق المعارك، على حدّ تعبيره.

ويرفض أوريان في حديث لـ “الجزيرة” وصف الأرمن الذين التحقوا بالمعارك بـ “المرتزقة”، ويرى أنهم “يدافعون عن حقهم بالوجود في أرمينيا وكل العالم”، وفق تعبيره.

وعن تجربته في أرمينيا، يشير أوريان أنه لحظ عدم التكافؤ بين أطراف النزاع في قره باغ، ويرى أن أرمينيا ليست دولة مستعدة للحرب، وأن القدرات العسكرية التي تتمتع بها أذربيجان تتفوق على قدرات أرمينيا بأضعاف.
لبنانيون يقاتلون في أرمينيا

في السنوات الأخيرة، ثمّة آلاف من اللبنانيين الأرمن الذين سافروا إلى أرمينيا للاستقرار هناك، وقد حصلوا على الجنسية الأرمينية، والبعض منهم التحق بالجيش الأرميني.

حيث يشير أوريان إلى أنه التقى في أرمينيا عددا كبيرا من اللبنانيين، من بينهم رفيقه جورج طباقيان الذي التقاه في ساحة المعركة لأول مرّة بعد 17 عامًا.

وبحسب أوريان، سبق أن تشارك مع طباقيان في معارك في لبنان “ضدّ الاحتلاليين السوري والإسرائيلي”، وقد شعر بفخرٍ كبيرٍ عند لقائه في ساحة معركة جديدة.

وفي السياق، يوضح سيفاك أغوبيان -رئيس حزب الرمغفار الأرميني في لبنان- أن اللبنانيين الذين التحقوا للقتال في أرمينيا، وبعضهم سقط قتيلا، هم حالات فردية ذهبوا من تلقاء أنفسهم من دون تنظيم حزبي أو أهلي.

وقال لـ “الجزيرة” إن أعداد الأرمن اللبنانيين الذين يقاتلون هناك “ضئيلة ولا تشكل وزنًا في المعركة”، وتابع أغوبيان “نسبة كبيرة من أرمن لبنان يمتلكون الجنسية الأرمينية، وأعدادهم تتخطى الـ 20 ألف مجنّس، وبالتالي تُطبق عليهم القوانين الأرمينية، وهم مجبرون أن يخدموا في الجيش، ما يعني أن قتالهم هناك قانوني وشرعي”.

الأرمن وفسيفساء لبنان

وواقع الحال، لم يعد غريبًا على طبيعة فسيفساء لبنان الذي تتداخل فيه الطوائف والأعراق والثقافات والأحزاب، أن يُقحم تلقائيًا بأي صراعٍ إقليمي يدور حوله، وقبل أيام، دعا حزب الطاشناق الأرمني إلى الاعتصام أمام السفارة التركية في بيروت، احتجاجا على ما اعتبره “دعم تركيا لأذربيجان في الصراع مع أرمينيا”.

ويعلّق أغوبيان بالقول إن هذا النوع من التظاهرات في لبنان “طبيعي”، ويرى أنه يقع في سياق دفاع الأرمن عن هويتهم.

ويلفت سيفاك أغوبيان -الحاصل على الجنسية الأرمينية- إلى أنه سافر أيضًا الشهر الماضي إلى أرمينيا، ويشير إلى أنه التقى عددا من اللبنانيين الذين استقروا قبل المعارك في أرمينيا، ومنهم من هاجر بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب، ولا سيما أن الأرمن خسروا في ذلك الانفجار نحو 13 ضحية، وعشرات الجرحى.

ويرى أن معاناة الأرمن في لبنان لا تختلف عن سائر اللبنانيين، لكن الحرب جاءت صادمة، ولا سيما أن معظمهم يتمتع بروابط عائلية في أرمينيا، وهو ما يجعلهم يتابعون يوميا لوائح أسماء القتلى للبحث عن معارفهم، وفق أغوبيان.

تاريخيا، يتجذّر الوجود الأرمني في لبنان إلى مرحلة الحرب العالمية الأولى (ما بين 1915 و1916)، وتشير مصادر تاريخية إلى أن تلك الفترة شهدت وصول نحو 40 ألف أرميني، قبل أن تصل موجات أخرى من الأرمن عام 1939.

وعلى مدار عقود طويلة، استطاع الأرمن أن ينخرطوا في نسيج المجتمع اللبناني، رغم أن أعدادهم تتراجع سنويا نتيجة هجراتهم المتزايدة، وقد انبثق عنهم 3 أحزاب سياسية هي الطاشناق والرامغفار والهنشاك.

ويشير أغوبيان إلى أن ما يميّز المجتمع الأرمني في لبنان عن سائر المشرق، أن النظام اللبناني استوعب الأرمن ومنحهم تمثيلا بالبرلمان، حيث أعطاهم 6 مقاعد نيابية.

المصدر: الجزيرة

مقالات ذات صلة