هل اقتربت حقاً الحرب؟
تكتسب مهمّة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين هذه المرة أهمية خاصة، كونها تأتي على وقع قرقعة السلاح وإيقاع سفينة “كاريش” التي وضعت جميع الأطراف في مواجهة لحظة الحقيقة.
يواجه الأميركي حالياً اختبار التوفيق بين انحيازه إلى كيان الاحتلال وإمكانية ابتكار تسوية عادلة ترضي الجانبين المتنازعين، ويقف الاسرائيلي أمام محك لجم مطامعه في المكان والزمان المناسبين، قبل أن يُفجّر صاعقها آبار الغاز بما فيها ومن حولها، ويخوض الطرف اللبناني امتحان الثبات إزاء الضغوط والتمسك بالحقوق بعد ترسيمها بدقّة.
وفيما كان هوكشتاين يستعد لزيارة بيروت متأبطاً الملف النفطي الحارق، رمى رئيس أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي أفيف كوخافي «قنابل صوتية» على المقلب الآخر من الحدود «المكهربة»، محذّراً من أنّ لبنان سيتعرّض إلى هجوم غير مسبوق ودمار واسع إذا وقعت الحرب مع «حزب الله».
ومن الواضح انّ التوقيت المباشر لهذا التهويل الاسرائيلي يرتبط بزيارة هوكشتاين لبيروت ويرفع وتيرة الضغط على المفاوض اللبناني لدفعه في اتجاه خفض سقفه وتقليص «خطوطه»، عبر تخويفه من أنّ أي حرب قد تندلع إذا نفّذ «حزب الله» تهديده بقصف سفينة استخراج الغاز من حقل «كاريش»، ستكون لها تداعيات تدميرية على لبنان.
بهذا المعنى، فإنّ تصريحات كوخافي هي نوع من «الغطاء الناري» لمهمّة هوكشتاين، وتندرج في سياق محاولة تحقيق التوازن مع الخطاب الاخير للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، في مسعى لتعزيز أوراق الموفد الأميركي الذي يُخشى من ان يكون لسان حاله خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين: «كونوا واقعيين واقبلوا بما هو معروض عليكم والّا فأنتم تخاطرون باحتمال ان تخسروا كل شيء». علماً انّ هناك من يدعو الدولة في المقابل إلى قلب المعادلة والإبلاغ الى هوكشتاين انّه ما لم يتمّ تعليق العمل في حقل «كاريش» إلى حين استكمال المفاوضات واعتماد حل مقبول، فإنّ اسرائيل هي التي ستكون في موضع من يخوض مغامرة غير محسوبة.
انّه فصل جديد من فصول عض الأصابع واللعب على حافة الهاوية الممتدة بين البر والبحر، لكن بعض القريبين من «حزب الله» يستبعدون ان ينتهي هذا المخاض إلى اندلاع الحرب التي هدّد بها كوخافي للأسباب الآتية:
– انّ التهديدات الإسرائيلية ليست الأولى من نوعها، بل هي جديدة – قديمة وأصبح كثيرون لا يخافون منها.
– انّ الاسرائيلي يدرك ضمناً انّ الحرب المقبلة لن تكون نزهة ولا حتى شبيهة بتجربة 2006، وبالتالي فإنّ التدمير الكبير سيكون على الجانبين وليس فقط في لبنان، بعدما تعاظمت الترسانة العسكرية لـ»حزب الله» وباتت قوتها النارية مضاعفة مرات عدة كمّاً ونوعاً بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل 16 عاماً. ويضيف هؤلاء: «صحيح انّ الثمن الذي سيدفعه لبنان كبير ولكن خسارة اسرائيل ستكون اكبر، لأنّ لديها ما تخسره من بنى تحتية ومعامل إنتاج الطاقة وقطاعات صناعية ومرافق حيوية، بينما معظم هذه المجالات منهارة في لبنان اصلاً من دون حرب بسبب الأزمة الاقتصادية».
– انّ أي حرب مقبلة قد لا تبقى محصورة في نطاق محدود كما لمّح السيد نصرالله، إذ على الأرجح ستشارك فيها قوى «المحور» وفي طليعتها إيران، خصوصاً انّ مفاوضات «النووي» متعثرة حالياً. فهل من مصلحة واشنطن اندلاع مواجهة ضخمة في هذا الوقت، من شأنها ان تهدّد مجمل مصالحها في المنطقة، بينما هي لا تزال تعوّل على إعادة ترميم الاتفاق النووي مع طهران؟
– انّ العالم منشغل حالياً بالحرب الروسية – الاوكرانية ولا يتحمّل حرباً أخرى ستهدّد مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، والتي يُراد لها أن تكون بديلاً من الغاز الروسي، وبالتالي فإنّ الاتجاه العالمي هو نحو تخفيف التوترات حيث أمكن وليس تصعيدها وتأجيجها.
ومع ذلك كله، يؤكّد القريبون من «الحزب»، انّ المقاومة في أتمّ الجهوزية للتعامل بالطريقة المناسبة مع أي خطأ اسرائيلي في التقديرات.
المصدر : الجمهورية