“الحزب” جهّز التقنيات وينتظر ساعة الصفر؟
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
بدا واضحاً أن التحرك الضاغط الذي نفّذه المجتمع المدني في الناقورة، ما هو إلا رسالة مشفرة لرئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية، مفادها حذار التراجع عن الخط 29. يدرك الجميع أحقية هذا الخط وأهمية الغاز في ظروف لبنان الكارثية. لم يتوانَ أحد من المعتصمين عن القول «الخط 29 خط أحمر والنفط خط أحمر»، أيقن الجميع أن الخطر يُحدق بالغاز اللبناني، وقد تقدّم العدو ناحيته وبدأ التنقيب في حقل كاريش، غير أن معادلة حقل قانا مقابل كاريش التي يجري التسويق لها لا تعدو كونها معادلة لتقطيع الوقت لا أكثر، فسيناريو التراجع عن الخط 29 لصالح الـ23 يبدو أقرب للحكومة اللبنانية وإن كان يصبّ لمصلحة العدو، وربما هذا ما دفع بالمجتمع المدني للتحرك السريع، قبيل زيارة الوسيط الأميركي كورقة ضغط باتجاه التوقيع على تعديل المرسوم 6433 القاضي بحفظ حق لبنان في غازه الطبيعي.
فعلى مرأى من الزوارق الحربية للعدو المقابلة لبلدة الناقورة كان صوت المعتصمين يعلو «التنازل عن نفطنا خيانة عظمى»، إذ أراد كل واحد منهم توجيه رسالة قاسية «حذار التخلي عن ثروتنا التي ستنقذ لبنان من مآزقه».
فهل يفعلها رئيس الجمهورية ويطالب بالـ29 نقطة تفاوض، أم يبني حق لبنان على الـ23؟ أسئلة ستجيب عنها زيارة هوكشتاين وما ستحمله للبنان.
إذاً، النزاع على النفط ما زال على نار متوسطة، لم يلتهب بعد، فالخلاف القائم حول ترسيم الحدود بين لبنان والعدو، لم يوثّق بأدلة وبراهين، فتعديل المرسوم 6433 لم يوقعه رئيس الجمهورية ليصبح نافذاً، ما زال عالقاً في الأدراج، ومعه لم تتبلور قضية الخط البحري بعد، والسؤال هل يضيع حق لبنان في الغاز، ويطير الخط 29 تحت وطأة الضغوط والتهديدات غير المعلنة؟
على ما يبدو فإن كل الأوراق لن تكشف بانتظار زيارة هوكشتاين، غير أن المجتمع المدني، لم ينتظر، قرّر الدخول مباشرة على خط الضغط على الحكومة ورئيس الجمهورية لتعديل المرسوم ليثبت حق لبنان بالنفط ضمن الخط 29، واعتبروه خطاً أحمر لأنه يثبت حق لبنان الشرعي بغازه ونفطه.
في ذروة التوتر الحاصل، دخلت إسرائيل عملياً إلى حقل كاريش، فيما لبنان ما زال عالقا بين الخط 23 والخط 29 وبينهما خط تقاذف المسؤوليات».
«حزب الله» نأى بنفسه عن التجاذبات، غير أنه ينتظر القرار الحكومي، وفق المعلومات فإنه جهز كل التقنيات المطلوبة، وحضّر كل الملفات بانتظار ساعة الصفر، فالعين كلّها تتجه نحو قراره من الملف العالق بين تجاذبات الحكومة وسرعة العدو بالتنقيب، ويؤكد كثر أن له الكلمة الفصل، وإن كانت المصادر تشير إلى أن «الحزب لن ينجرّ إلى اللعبة التي تشكل فخاً له، لجرّه إلى الحرب، بل يترقّب بالعين الثاقبة القرار اللبناني».
وإزاء المعركة المفتوحة على النفط، كانت الناقورة على موعد مع قوى التغيير والمجتمع المدني، وقد نفّذوا وقفة اعتراضية عند نقطة مواجهة للمنطقة المتنازع عليها، حيث كانت الزوارق البحرية التابعة للعدو تراقب ما يحصل عند شاطئ الناقورة وسط تدابير أمنية مشددة اتخذها الجيش اللبناني، ومن خلفه قوات الطوارئ للمطالبة بتثبيت الخط 29 كحد فاصل من دون تساهل أو تراجع، لأنه حق شرعي للبنان وفق ما أكد عليه النائب ملحم خلف، معتبراً «أن التمسك بالخط 29 مثبت بالقوانين والأعراف الدولية، وأيضاً وفق قانون البحار، وترسيم الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ينطلق من الخط 29 الذي يعد خطاً أحمر».
أكد المجتمعون على شرعية الخط 29 فهو الذي دفع بهم لتنفيذ وقفة ضاغطة على رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى ومن خلفه الحكومة، «لأن التفريط بأي شبر مياه في بحر لبنان بمثابة تنازل للعدو عن حقنا ونفطنا»، داعين إلى سحب هذا الملف من التجاذبات والمحاصصة والعمل لمرة واحدة لأجل الشعب اللبناني.
كانت واضحة رغبة المجتمعين بأحقية مطلبهم، جازمين أنهم قرروا تشكيل «لوبي ضاغط» للمطالبة بالحق السيادي. وكما أشارت النائبة حليمة قعقور «فإننا هنا لنضغط باتجاه التمسك بالخط 29 ورفض التخاذل القائم» مشددة على ضرورة أن يبادر رئيس الجمهورية الى توقيع المرسوم 6433 وتتحمل الحكومة مسؤوليتها لأن التفريط بالحق اللبناني ممنوع».
هي المرة الأولى التي يطالب فيها اللبناني بحقه المكتسب، ربما لأنه سينقذه من الفقر والأزمات التي يرزح تحت وطأتها، فالكل يرغب في أن تأخذ الدولة لمرة أولى قرارها ببدء التنقيب عن النفط، رغبة تبدو بعيدة المنال في ظل تقاذف المسؤوليات والتفريط بالخط الفاصل، وهو ما شاء محمد، أحد المشاركين في التحرك، تسليط الضوء عليه، لأنه ينتشلنا من الغرق، فوفقه «الوقوف بموقع المتفرج بمثابة تسليم النفط للعدو الذي يقف على بعد أمتار من غازنا ودولتنا ما زالت تعيش متاهة الخطوط وهو أمر مرفوض».
على مرأى من زوارق العدو كان الحاضرون يرفضون التنازل عن الخط 29، ويرفعون الصوت «نفطنا خط أحمر لن نتنازل عنه»، مطالبين الدولة بتوقيع المرسوم 6433 الذي يحسم الجدل حول حدود لبنان البحرية، وهو ما أكد عليه النائب فراس حمدان معلناً «أن الوقفة ما هي إلا للمطالبة بحقوقنا السيادية الثابتة لكل الناس، داعياً إلى تعديل المرسوم 6433/11 وإلحاقه بالقوانين الدولية، وطالب المعنيين بمصارحة اللبنانيين حول ملف التفاوض متسائلاً هل هذا التفاوض على الحقوق السيادية مقبولٌ قبل اتخاذ الموقف الإجرائي المُثبِت للخط 29؟ وهل اتّبع هذا التفاوض الإستراتيجية المُنتجة الضامنة للحقوق والمُنطلِقة من موقع قوة القانون، ومن موقع النديّة؟ أو إنّه تفاوضٌ مُنطلِق من موقع ضعفٍ، لا يعرفه لبنان ولا يقبل به اللبنانيون؟!
من المتوقع أن يحسم رئيس الجمهورية الجدل القائم خلال زيارة هوكشتاين غير أن ما لا يتوقعه اللبناني هو أن يصرّ على حق لبنان بالخط 29 وهو أمر لن يسكت عنه أحد وقد يجرّ إلى مزيد من التحركات لأنه، كما قال المجتمعون، «لن نرتضي التفريط بأي شبر من أرضنا».