لا تنسوا “كورونا”… وخلطة جديدة من “الفيروسات”!
كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
بخلاف البيانات اليومية التي تعدّد حالات الإصابة بكورونا، والوفيات الناجمة عنها، صدر أول من أمس بيان عن وزارة الصحة، نقل توصيات اللجنة الوطنية للأمراض الانتقالية في الوزارة، والذي تذكّر فيه بالإجراءات الوقائية المطلوبة وتدعو للمسارعة إلى أخذ اللقاح خصوصاً أن «نسبة الملقّحين بجرعتين من لقاح كورونا في لبنان لا تتعدى الـ45%». بيان يستدعي عودة إلى متابعة أخبار فيروس شغل العالم قبل سنتين ثم اختفى عن واجهة الأحداث
بين 15 آذار 2020، يوم أعلنت الحكومة اللبنانية التعبئة العامة لمواجهة تداعيات بدء انتشار فيروس كورونا على الأراضي اللبنانية بعد تسجيل أقل من عشرين حالة فقط، وبين 8 حزيران 2022، يوم ذكّرت وزارة الصحة اللبنانية بأنّ الفيروس لم يختفِ وما زال بيننا، أكثر من سنتين عاش خلالهما اللبنانيون خلف كمامة وخوف من كلّ «عطسة» أو «اختلاط»، ثم في لامبالاة واضحة بالإجراءات الوقائية. في البدايات، تحوّل كبح انتشار الفيروس إلى همّ وطني. تباهينا يومها بتسجيل أعداد قليلة من الإصابات وصولاً إلى الصفر من دون أن تكون معبّرة عن الأعداد الحقيقية. أما التغطية الإعلامية الكثيفة، فتميّزت بمعلومات كثيرة، قليل منها صحيح، أصمّت الآذان وأعمت العيون عن الحقيقة: الفيروس لن ينتهي، وُجد ليبقى وعلينا التعايش معه.
في تلك الأيام تابع اللبنانيون بشغف أخبار نجاح اللقاحات حتى وصلت أخيراً إلينا، وبدأت الحملة الوطنية التي استطاعت رغم الصعاب والإخفاقات الوصول اليوم إلى نسبة تقرب من الـ45% (جرعتان أساسيتان) بينما وصل عدّاد الإصابات التراكمي إلى مليون ومئة ألف حالة توفي منها 10344 بين مواطن ومقيم (حسب سجلّات وزارة الصحة اللبنانية).
تعديل على الأولويات
فجأة وبلا سابق إنذار انتهى كلّ شيء، وذهبت الأضواء باتجاه روسيا وأوكرانيا من جهة، والصين وتايوان من جهة أخرى، وانشغل العالم بأزمات الغذاء والتهديد النووي. فارقت أضواء الإعلام نجم الساحات فيروس كورونا المستجدّ، وكل متحوّراته من ألفا وصولاً إلى أوميكرون، حتى انتشرت طرفة على وسائل التواصل مفادها: لولا العملية الروسية في أوكرانيا لكنّا نتحضّر للجرعة الرابعة أو الخامسة من اللقاح المضادّ لفيروس كوفيدــ19.
غابت التغطية الإعلامية، لكنّ عدّاد الإصابات لا يزال يسجل المزيد من الارتفاع مع أكثر من 533 مليون إصابة، بزيادة يومية تُقدّر بـ700 ألف إصابة حول العالم ونسب التلقيح كذلك التي ناهزت الـ62% من سكان الكوكب بتركيز متفاوت بين دول الشمال والجنوب، إذ لم تتخطَّ النسبة العامة للتلقيح في الدول الفقيرة الـ14.5% ما يعني أنّنا بعيدون عن تحقيق ما يسمى بالمناعة المجتمعية، وهذا حال لبنان أيضاً.
إذاً يمكن الاستنتاج أنّ الفيروس لم ينتهِ، فهو لا يزال ينتشر بيننا متحيّناً الفرص ربما لإصابة أكبر عدد ممكن من الأشخاص والتكاثر. هذا ديدن الفيروسات منذ نشأتها، وقد نكون كبحنا بعضها بسبب اللقاحات، كفيروس كوفيدــ19 ولكن النهاية لم تُكتب بعد.
السّيطرة لأوميكرون وأبنائه
بات من المعروف أنّ عدد الحالات المخفاة من الإصابات بكوفيدــ19 يساوي أقلّه خمسة أضعاف الحالات المسجّلة. المتحوّر الأخير، أوميكرون، يسجّل عوارض خفيفة مع حالات استشفاء منخفضة. ولم ترصد مراكز الأبحاث حول العالم حتى اليوم متحوّراً جديداً غيره رغم تحديد متحوّرات فرعية منه وصل عددها إلى خمسة، لا تدعو إلى القلق حسب تصريحات منظمة الصحة العالمية.
إذاً، سيطرة أوميكرون بنسبة عالية على الإصابات مع سلفه دلتا بنسبة أقلّ، تُعدّ أمراً جيّداً من الناحية الوبائية لأنه يعني أن الفيروس سيصيب أكبر عدد ممكن من الناس وبالتالي سيحقق مناعة مجتمعية ستتوسّع لتشمل شريحة أكبر، ولكن هذا لا يعني في أيّ حال من الأحوال التفلّت التام، فتحوّر الفيروس أمر لا مهرب منه ولا يمكن التنبؤ بمساره.
وعليه، لن يكون أوميكرون هو المولود الأخير لفيروس كورونا، فهذا الفيروس سيطرأ عليه مستقبلاً المزيد من الطفرات الجينية التي ستؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور متحوّرات مختلفة وجديدة. ومن المحتمل أن تنشأ هذه المتحوّرات في الدول حيث العدوى على أشدّها من جهة، ونسب التلقيح فيها في حدودها الدنيا من جهة ثانية، ونعني بها الدول الأكثر فقراً. لذلك نرى اليوم السباقات بين الدول الأكثر ثراءً على التبرّع باللقاحات، أيّ أن الأمر ليس كرماً إنسانياً بل ببساطة هو حرب وقائية على العدوى.
نحو تخفيف الإجراءات
منذ مطلع العام الجاري، بدأت الكثير من الدول حول العالم تخفيف الإجراءات الصحية: من إلزامية ارتداء الكمامة والحفاظ على مسافة أمان في الأماكن المكتظّة. كما عادت لتشغّل وسائل النقل العامة حيث تكون نسبة خطورة العدوى أعلى. ومن هذه الدول لبنان، إذ قامت وزارة الصحة بتخفيف الإجراءات تبعاً للتوجهات العالمية التي تقودها منظمة الصحة العالمية وصولاً إلى بيان يوم الأربعاء الماضي، المتزامن مع بداية موسم الاصطياف وعودة المغتربين.
هذه العودة ستجعل من المجتمع اللبناني بيئة حاضنة لخلطة جديدة من الفيروسات، قد لا نجدها في الأيام العادية، فالعائلة اللبنانية الواحدة قد يكون أحد أفرادها مغترباً قادماً من أفريقيا وآخر من أوروبا وربما من أميركا أيضاً، ما يُضاعف المخاطر. أما الخطر اليوم فلا ينحصر في العودة إلى انتشار مجتمعي جديد فقط، بل إلى عدم قدرة المستشفيات على تحمّل الضغط من جديد بسبب الأوضاع الاقتصادية في البلاد. لذا لا يجب التهاون أبداً في الإجراءات الوقائية، بل يجب التشدّد على تعميم أكبر للقاحات (على مختلف أنواعها) للوصول إلى المناعة المجتمعية العامة التي لا تتحقّق إلا مع نسب تلقيح تناهز الـ70%، عندها فقط يمكن إطلاق صافرة النهاية، وإلى حينها لا غنى عن الحذر.
جرعة اللقاح الرابعة متوفّرة
استناداً إلى تقارير منظمة الصحة العالمية التي تحذّر من موجات جديدة لفيروس كورونا، يُتوقع أن تكون أقوى من حيث نشر العدوى، أوصت اللجنة الوطنية للأمراض الانتقالية في وزارة الصحة، في بيان صادر عنها بـ:
– التقيّد بالإجراءات الوقائية من ناحية التباعد الاجتماعي وغسل اليدين ووضع الكمامة، ولا سيما في المؤسسات العامة والتجمّعات والمطاعم والأماكن المغلقة.
– المسارعة إلى أخذ اللقاح، في حال عدم أخذ أي جرعة منه حتى الآن، إذ ثَبُتَ علمياً أن تلقّي لقاح كوفيد بصورة منتظمة يخفّف من الوفيات الناتجة عن المرض بطريقة ملحوظة، ويحدّ من مضاعفاته، ولا سيما تلك التي تستدعي دخول المستشفى أو العناية الفائقة.
– على كلّ من تلقّى جرعتين من اللقاح، أخذ الجرعة الثالثة، مع التأكيد أن الجرعة الثالثة لن تزيد من احتمالات الإصابة بالآثار الجانبية للقاح.
– بناءً على التوصيات العلمية، أصبح بإمكان كل من مضى على تلقّيه الجرعة الثالثة، أكثر من 6 أشهر، الحصول على جرعة رابعة من اللقاح من دون موعد مسبَق من خلال خدمة «walk in».
– تشجّع الوزارة على تلقيح الأطفال من عمر 5 إلى 12 سنة بعد توافر اللقاح الخاص بهذه الفئة العمرية.