انفجرت الأزمات… واللبنانيون إلى الشارع مجدداً!
كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
انفجرت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية دفعة واحدة في لبنان، وامتدت إلى الشارع احتجاجاً على ارتفاع قياسي في سعر صرف الدولار، ما دفع المؤسسات للإقفال بهدف وضع حد للخسائر، وسط انقطاع الكهرباء والمياه وارتفاع غير مسبوق في أسعار المحروقات، بموازاة تصعيد من قبل قطاع الاستشفاء اعتراضاً على الإجراءات المصرفية.
وعادت التحركات إلى الشارع، حيث شهدت العاصمة بيروت ظهر أمس قطعاً للطرق في بعض المناطق، تبعتها تحركات محدودة في مدينة صيدا (في الجنوب) تخللها قطع أوتوستراد بيروت – صيدا بشكل مؤقت قبل إعادة فتحه، في وقت تقف حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن إيجاد الحلول ومنهمكة بصراعات وزرائها ومناكفاتهم حول خطة الكهرباء وقطاع الاتصالات، وأزمة الدواء والمستشفيات المفتوحة على كل الاحتمالات.
وانفجرت الأزمات على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى حدود الـ36 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، ما اضطر أصحاب المحال التجارية لإقفال أبوابها لوضع حد للخسائر.
وينظر البعض إلى ما جرى على أنه مؤشر لما قد تذهب إليه الأمور في الأيام المقبلة. ويرى الخبير المالي والاقتصادي مروان إسكندر أن «الوقائع اليومية تشير إلى أن البلد يشهد مرحلة السقوط في الهاوية». وحذر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من أن «الانفجار الشعبي والواسع بات وشيكاً، لأن السلطة السياسية نأت بنفسها عن التصدي للأزمات». وقال: «المؤسف أن بيانات حكومة الرئيس حسان دياب ومن بعدها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحدثت عن برامج الإصلاح لكنها بقيت حبراً على ورق». وشدد على أن «الإنقاذ يبدأ بمعالجة ملف الكهرباء الذي تسبب في الانهيار المالي، والتعاقد مع شركات خاصةً تأتي بالكهرباء وتضع حداً للنزف القاتل».
ومنذ أربعة أيام، تشهد البلاد انقطاعاً شبه تام للكهرباء، ما انعكس على إمدادات المياه التي تأثرت بفعل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المازوت الذي يشغل المضخات.
ولا تقف المأساة عند فقدان أبسط مقومات الحياة الكريمة، إنما تتعداها إلى الهجرة المتنامية، ويلفت إسكندر إلى أن «الإمعان في إفقار اللبنانيين يترجم بمزيد من هجرة النخب والطاقات الشابة التي يعول عليها في مرحلة النهوض». وسأل: «هل تدرك السلطة الحاكمة أن «الجامعة الأميركية في بيروت خسرت في الأشهر الماضية أكثر من 150 طبيبا وأستاذا جامعيا؟، أليس محزناً أن لبنان البلد الأول الذي طور شبكة الاتصالات، وأول دولة في الشرق الأوسط أتت بالهاتف الخليوي، تشهد الآن على انهيار هذا القطاع الحيوي؟».
ولم تتوقف التحركات الاحتجاجية على أغلب المواطنين الذين يرزحون تحت خط الفقر، بل وصلت إلى القطاع الطبي والاستشفائي، إذ نفذ أمس مئات الأطباء اعتصاماً عند مدخل مصرف لبنان وعمدوا إلى قطع الطريق أمامه، احتجاجاً على رفض المصارف تسديد المستحقات المالية عن طريق الشيكات أو البطاقات المصرفية، وعدم تمكنهم من سحب رواتبهم من الصراف الآلي، بما ينذر بكارثة اجتماعية خطيرة ويضع الأطباء أمام حتمية الهجرة.
ورأى نقيب الأطباء شرف أبو شرف أن الأمور «بلغت مرحلة الخطر». دعا إلى «وضع حد لهذه التصرفات غير القانونية وغير الإنسانية والأخلاقية». في حين اعتبر نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون، أن المستشفيات «باتت عاجزة عن تأمين السيولة لمتابعة عملها وتأمين حقوق العاملين لديها، وشراء الأدوية والمعدات الطبية بما ينعكس خطراً على حياة المرضى». وطالب رئيس الجمهورية (ميشال عون) ورئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) والمجلس النيابي المنتخب بـ«تحمل مسؤولياتهم أمام تداعي القطاع الصحي».
كذلك، اعتصم أصحاب الأفران أمام وزارة الاقتصاد للمطالبة بتأمين القمح للمطاحن ووضع تسعيرة لربطة الخبز تناسب سعر الصرف، كما طالب المعتصمون مجلس النواب الجديد بالإسراع في إقرار قانون قرض البنك الدولي لدعم القمح. وقال أمين سر نقابة المخابز والأفران في بيروت وجبل لبنان ناصر سرور «مشكلتنا كبيرة لأنها تتعلق برغيف الخبز والطبقة السياسية أقفلت معظم مؤسسات البلد ولا مشكلة لديها أن نقفل نحن أيضاً».
وتعبر الأزمات الاقتصادية والمالية عن معضلة سياسية، ويعتبر وزير العدل الأسبق إبراهيم نجار أن الوضع الكارثي يفوق كل التوقعات، ملاحظاً أن الشعب «فقد الأمل بهذه السلطة الميؤوس منها، التي ما زالت تتصارع على المحاصصة ولا تكترث لأوجاع المواطنين». ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن البلاد «أمام إفلاس كامل على مستوى الحكم والعهد والقيادات السياسية، والأمل الوحيد هو بالنواب الجدد والكتلة التغييرية وحلفائها الذين أتوا من رحم معاناة الناس». ويرى على أن «المهام الأساسية أمام هؤلاء النواب تتمثل في توحيد سعر صرف الدولار ووضع حد للسوق السوداء، وإعادة هيكلة المصارف والتصدي فوراً لأزمة الكهرباء التي تقض مضاجع اللبنانيين».
ورغم أن ملامح المرحلة المقبلة توحي بأن اللبنانيين مقبلون على الأسوأ، في ظل الانقسام العمودي والحديث عن مرحلة فراغ حكومي قد يتبعها فراغ رئاسي، دعا الوزير نجار إلى «الانتهاء سريعاً من انتخاب رئيس مجلس النواب والانصراف إلى إجراء استشارات نيابية تأتي برئيس جديد للحكومة لا تكون لديه مصالح اقتصادية أو شريك في المصارف وألا يكون فاسداً»، مشدداً على ضرورة «الإسراع بتشكيل حكومة دستورية مكتملة الأوصاف، قادرة على التصدي للأزمات ومعالجتها فوراً».