اخبار بارزةلبنانمباشر

لا علاج ولا عناية… هذه الفئة من المجتمع مصيرها مجهول!

كتبت كارين عبد النور في نداء الوطن:

الأزمة الإقتصادية والمالية تهدد قطاعات كثيرة ومؤسسات بدأت تترنح تحت الأعباء الكبيرة التي تتحملها. ثمة مؤسسات لا يمكن تركها لتموت رويداً رويداً لأن موتها يعني نهاية مأسوية لعدد كبير من الأفراد المرتبطين بها. مصابون بإعاقات لا يمكن أن يُتركوا لمصيرهم ويواجهوا قدرهم لوحدهم. مؤسسة «”سيزوبيل”» واحدة من هذه المؤسسات التي تعاني ومعها يعاني نحو عشرة آلاف مصاب بإعاقة يحتاجون إلى مساعدة دائمة وإلى متابعة وعلاج لا يمكن أن ينتظر تحويلات مالية أو قرارات حكومية ووزارية عالقة في وزارة الشؤون الإجتماعية أو في مصرف لبنان أو في المصارف. المؤسسات التي ولدت لتساعد هي اليوم تنازع وتحتاج إلى عملية إنقاذ. وهذه صرخة وجع من قلوب مقهورة.

نذهب مباشرة إلى «سيزوبيل». وهي واحدة من أكثر الجمعيات التي تعاني، بالرغم من برامج الدعم وشبكة الأمان الاجتماعي والبطاقة التمويلية. فهي، كغيرها، ترزح تحت أعباء مالية ضخمة بعد احتجاز أموالها في المصارف، وتدنّي البدلات المسدّدة من قِبَل وزارة الشؤون الاجتماعية لتوفير الخدمات التأهيلية والتربوية. أما الأشدّ ضراوة، فهو عدم تسلّم تلك الجمعيات مستحقاتها المالية منذ آذار 2020. جولة أفق على واقع حال «سيزوبيل» كفيلة بتلمّس المشهد المأسوي الذي يختصر معاناة عشرات، إن لم يكن، مئات الجمعيات الأخرى. كما أن الغياب شبه التام للدولة بمعظم أجهزتها كفيل بإطلاق صفّارة الإنذار حول مصير آلاف الأشخاص العالقين في دوامة مجهولة النهاية، ما لم يتدارك المعنيّون بسرعةٍ خطورة الموقف. فماذا في التفاصيل؟

لفتت رئيسة الجمعية فاديا صافي، الى أن صدى الصرخة الأخيرة يعود إلى ما قبل العام 2019 حين توقفت وزارة الشؤون الاجتماعية عن دفع المستحقات المتوجبة للجمعيات. فما علاقة الوزارة بالمؤسسة؟ تجيب صافي: «هناك نوعان من العقود، إمّا أن تُوقَّع مع الأهل مباشرة أو من خلال بطاقة إعاقة تصدر عن وزارة الشؤون الاجتماعية التي تتكفّل بتسديد المستحقات». مع الإشارة إلى أن عدد الأشخاص الذين يُعالَجون على نفقة الوزارة يشكّل ثلثي العدد الإجمالي للمصابين.

«سيزوبيل» وصلت في حينه إلى حافة الإغلاق لولا محبة الناس وثقتهم برسالتها، والتي تُرجمت مساعدات وهِبات من الداخل والخارج لتأمين الاستمرارية. ولإيصال الصوت، توحّدت مع جمعيات أخرى ضمن «الاتحاد الوطني لشؤون الإعاقة» في محاولة منها لحثّ المعنيين على التحرّك. النتيجة كانت أن باشرت الوزارة بتحويل المستحقات، واستمرّ الوضع على ما هو عليه حتى آذار 2020 حيث عُلّقت عمليات الدفع مجدداً ولا تزال، رغم الوعود المتكررة بالإفراج عن المبالغ المتوجبة.

معضلة أخرى يبدو أن ليس ثمة حلول لها في الأفق القريب. فقد فرض مصرف لبنان – أسوة بما يتعرّض له المودعون عامة – قيوداً على الحوالات الصادرة من وزارة الشؤون الاجتماعية، واضعاً شروطاً على عمليات السحب. مع العلم أن الأموال تلك مخصّصة لتأمين العلاجات والدواء والتربية المختصة: «يسمحون لنا بسحب مبلغ 8 ملايين ليرة شهرياً في حين أن رواتب موظفينا تبلغ 400 مليون ليرة. وعود قد ما بدّك بس التطبيق غايب»، تقول صافي.

أزمة سلفة الغلاء، التي لم تخضع لأي تعديل من قِبَل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2012، تقف هي الأخرى عائقاً أمام مقاومة الجمعيات لـ»هستيريا» ارتفاع الأسعار. «نطالب الحكومة بسلفة غلاء معيشة لأن المبالغ لم تعد تكفينا لتغطية المصاريف، كما طلبنا تشكيل لجنة أسعار لدرس مؤشر الغلاء وتحديدها بناء عليه، لكن ما من مجيب»، والكلام دائماً لصافي.

الوضع يزداد سوءاً

في ظلّ قصور التجاوب الرسمي، تبقى المبادرات الفردية الأمل المتبقّي للمواجهة. في هذا السياق تشرح صافي أنه، من ضمن سياسة «عصر النفقات»، تمّ تقليص أيام الحضور إلى يومين، وثلاثة عن بعد، بهدف الحد من مصاريف التنقّل التي ارتفعت إلى 65 ألف ليرة يومياً وقد تبلغ الـ100 ألف قريباً. «باحتساب هذا الفارق على 225 موظفاً، نتكلّم عن مبلغ كبير لا قدرة لنا على تحمّله بعد الآن. علماً أن المتابعة عن بعد ليست صحيّة بدورها للمصاب، فهو بحاجة لعلاجات وفحوصات يومية لا سيما وأن 70% من إعاقات مصابينا تُصنَّف متوسطة وشديدة». المعوّقات لا تقتصر على هذا الحدّ. فقد تقدّم أكثر من 48 شخصاً من فريق العمل المختص باستقالاتهم، إما بداعي السفر تعبيراً عن سخطهم من أوضاع البلاد، أو التحاقاً بمنظمات دولية وبلدان عربية حيث يتقاضون رواتبهم بالدولار. «من الصعب أن نخسر جهازاً ملتزماً متخصصاً بكامله بعد تعليمهم وتدريبهم، لنعود ونربّي من جديد…»، تعقِّب صافي بحسرة.

للبنانيي الاغتراب مساهماتهم، بالطبع، إلا أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. سؤال صعب خوفاً من جواب أصعب: ماذا لو لم تتجاوب الجهات المعنية؟ «سيكون مصير حوالى 10 آلاف مصاب من «سيزوبيل» وجمعيات أخرى على المحك، كما سيعود أكثر من ألفي ملتزم أدراجهم إلى بيوتهم، ولن يكون هناك أمل في إنقاذ حالات تدهور نفسية وجسدية وعقلية جماعية، في ظل توقّف العلاجات وتفاقم المضاعفات».

نداء أخير ومصير مجهول

الطامة الأكبر، يتابع شرف الدين، هي في عدم الانتظام في دفع المستحقات الفصلية، إذ يُفترض تسديدها كل ثلاثة أشهر، وذلك بسبب تركيبة الدولة الإدارية وتعقيداتها. والدليل يتمثّل في أن آخر تحويل مستحقات كان في الفصل الأول من العام 2020 وعلى تسعيرة 19 ألف ليرة، في حين أن التكلفة اليومية لصاحب الإعاقة أصبحت بحدود 350 ألف ليرة.

شرف الدين شدّد على كلام صافي حيال أثر تجميد المصارف لأموال الجمعيات، ما حال دون تمكّنها من دفع بدل أتعاب الموظفين، لا سيما في الأشهر الستة الأخيرة، إذ هي تبلغ كمعدّل وسطي بين 60 و70 مليون ليرة شهرياً للجمعية الواحدة. وأضاف: «قمنا بتحرّك كبير أمام مصرف لبنان وطلبوا منا جداول بأسماء المؤسسات وأرقام الحسابات وأسماء المصارف التي نتعامل معها، كما المعدّل الشهري العام للمصاريف لكل جمعية، ورُفع الجدول إلى الحاكم وأخذنا وعداً منه بإصدارتعميم يطال المصارف وأرقام الحسابات المذكورة للإفراج عن المبالغ الشهرية المطلوبة. حصل ذلك منذ قرابة أسبوعين لكن لا تجاوب».

في اجتماع الرابع من الشهر الحالي، أطلق أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد النداء الأخير وقد وصلت الأمور إلى شفير الهاوية، مطالبين: أولاً، إلزام الحكومة مصرف لبنان بصرف كامل الحوالات المصرفية رغم أنها باتت لا تشكل سوى سدس المصاريف الشهرية. ثانياً، إقرار الحكومة سلفة غلاء معيشة توازي ما أقرّته في موازنة العام 2022. ثالثاً، العمل على تحويل المستحقات المتأخرة وإلا ستُضطر الجمعيات للتوقف عن العمل قسراً وتشريد من كان على الدولة واجب رعايتهم، وهم الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع.

مقالات ذات صلة