كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
قال مصدر سياسي تعليقاً على نتائج الانتخابات اللبنانية بأن تمايزها عن الانتخابات السابقة يكمن في أنها وجهت صفعة للمرشحين المحسوبين على النظام السوري من دون أن يتمكن «حزب الله» من تأمين سترات النجاة لهم للعبور مجدداً إلى البرلمان وإن كان نجح في تعويم حليفه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في الحصول على مقاعد نيابية بأصوات الثنائي الشيعي كانت وراء ادعائه بأنه يتزعم أكبر كتلة نيابية برغم أن خصمه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع حقق تقدماً أتاح له تحقيق تقدم في الشارع المسيحي بحصده العدد الأكبر من المقاعد بأصوات مسيحية.
وتمثلت الانتخابات أولاً برفض المزاج الشعبي للمرشحين الذين يتبنون الخطاب السياسي لـ«حزب الله»، وهذا ما انسحب على فيصل عمر كرامي الذي فشل في الاحتفاظ بمقعده النيابي في طرابلس ما أدى إلى تصنيف فشله في الانتخابات، من وجهة نظر المصدر السياسي كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، على خانة تدفيعه ثمن التصاقه بـ«حزب الله» وتبنيه لخطابه الذي قوبل برفض في الشارع الطرابلسي.
واعتبر المصدر نفسه أن فشل كرامي هو رسالة مباشرة لـ«حزب الله» تحت عنوان أن المزاج الطرابلسي لا يوافق على الخطاب السياسي لمحور الممانعة والدفاع عنه في عاصمة الشمال، وقال إن كرامي لم يكن مضطراً للدخول على خط السجال بين الحزب وجعجع الذي سجل حضوراً في طرابلس بتحالفه مع الوزير السابق أشرف ريفي، ما ينم عن إصرار على عدم فتح ملفات الحرب الأهلية واستحضارها في الحملات الانتخابية.
ولفت إلى أن المفاجأة لم تقتصر على فشل كرامي وإنما تمددت باتجاه فشل نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي لمصلحة منافسه الدكتور غسان سكاف وفشل طلال أرسلان ووئام وهاب ومروان خير الدين وأسعد حردان، إضافة إلى الصفعة التي تلقاها باسيل بخسارته مقعداً مارونياً في بعبدا وفي مقعدين ماروني وكاثوليكي في جزين من دون أن يؤمن لهم الحزب العبور إلى البرلمان أسوة بمرشحي «التيار الوطني» الذين أوصلهم بالصوت الشيعي.
وأكد المصدر السياسي أن من كان يراهن على أن الانتخابات ستشكل محطة لعودة النظام السوري للعب دور فاعل في المعادلة السياسية اصطدم بالمزاج الشعبي الرافض لعودته بتأمين حصوله على كتلة نيابية داعمة له تكون على تناغم مع محور الممانعة برعاية من «حزب الله»، وقال إن حصد الحزب بالتحالف مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجميع المقاعد النيابية المخصصة للطائفة الشيعية لا يخفي إخفاقه في توفير الحماية لحلفائه، وتحديداً في مناطق نفوذه في الجنوب، وهذا ما أوقعه في مأزق يستدعي منه إعادة النظر في خطابه السياسي.
ورأى أن «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) أحسنت في إدارتها لمعركتها الانتخابية في بيروت عندما خاضت الانتخابات منفردة مفضلة عدم التحالف مع «حزب الله»، مع أن افتراقها عنه لا يلغي تناغمها وخطابه السياسي، وقال إن عدم تبنيها لخطابه مراعاة للمزاج العام في حصد المزيد من الأصوات بعزوف زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن خوض الانتخابات.
وأضاف المصدر السياسي أن السقوط المروع للائحة باسيل في جزين جاء بسبب انضمامه إلى «حزب الله» في حملته على «القوات» ما تسبب بمعاقبته من الشارع المسيحي، إضافة إلى أنه أخطأ في حساباته بدخوله في المعركة إلى جانب زميله في «التيار» أمل أبو زيد ضد زميله الآخر زياد أسود الذي أفقده السيطرة على الصوت التفضيلي بعد أن انتقلت المنافسة إلى داخل البيت الواحد بين الحليفين اللدودين، وهذا ما حصل أيضاً في دائرة المتن الشمالي.
وفي هذا السياق، كشف المصدر السياسي أن باسيل ومعه الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون أعطى الأولوية لتأمين فوز الكاثوليكي إدي معلوف على منافسه القواتي ملحم الرياشي، وهذا ما تسبب بإرباك رفيقيه الماروني إبراهيم كنعان والأرثوذكسي إلياس بوصعب وكاد يطيح بواحد منهما لأنه فرط بالصوت التفضيلي لمصلحة معلوف من دون أن يوصله إلى البرلمان، وقال إن الهم الوحيد لباسيل يكمن في الحفاظ على استمرارية الإرث السياسي لعون وإنما على خلفية إطاحته بما يسمى بفريق الصقور داخل التيار بغية أن يخلي الساحة لمن يدين له بالولاء.
وقال إن الكتلة النيابية لباسيل منتفخة عددياً بضمه نواب حزب «الطاشناق» والنائب محمد يحيى عن دائرة عكار الذي كان وراء تأمين الحاصل لمرشحَيْه اللذين فازا بالانتخابات جيمي جبور وأسعد درغام، مع أن يحيى يصنف على خانة آخر الرموز للنظام السوري في الشمال، وأكد أنه يتوجب عليه تسديد فاتورة لـ«حزب الله» ليس لأنه كان وراء تركيب لائحته في عكار، وإنما لدوره في تأمين فوز مرشحَيْه إدغار طرابلسي عن بيروت الثانية وشربل مارون عن البقاع الغربي، إضافة إلى تحصينه للائحته في كسروان – جبيل.
إلى ذلك، أسقطت نتائج الانتخابات نظرية الرئيس القوي في طائفته قبل أشهر من انتهاء ولاية الرئيس عون وأدت إلى إلغاء المفاعيل السياسية لمؤتمر الدوحة وتحديداً بالنسبة إلى الثلث الضامن أو المعطل. ولا بد من التوقف، كما يقول المصدر، أمام ارتفاع منسوب الصوت التفضيلي لنواب «حزب الله» بشكل يفوق ما كان عليه في دورة الانتخابات السابقة في محاولة لاستقراء أسبابه وإنما في مقارنته مع الأصوات التفضيلية التي حصل عليها النواب المنتمون لحركة «أمل» أو المتحالفون معها.
فهل يتوخى الحزب توجيه رسالة إلى الخارج بعنوان أنه الأقوى شيعياً وأن العقوبات المفروضة عليه وإدراجه على لائحة الإرهاب زادته قوة داخل طائفته، أو أخرى يتوخى منها التمهيد لمطالبته بإعادة النظر في توزيع المقاعد الشيعية برفع حصته وإن كان وجود أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله على رأس قيادة الحزب يشكل الرادع للدخول في مغامرة من هذا القبيل تهدد البيت الشيعي من الداخل.
ولن يكون الانقسام الحاد داخل البرلمان الذي يكاد يكون مناصفة بين الموالاة والمعارضة والقوى التغييرية عقبة أمام إعادة انتخاب بري رئيساً للبرلمان لولاية جديدة، طالما أن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لن يفرط بعلاقته معه من موقع اختلافه وقوى الموالاة.