الحكومة… قبل 3 تشرين الثاني أو بعده؟
هل «تمرّ» الحكومةُ اللبنانية الجديدة بحلول مطلع الأسبوع المقبل فيتفادى «طبّاخوها» المحليون تمديدَ بتّ هذا الملف إلى ما بعد انتخابات 3 تشرين الثاني الأميركية ووضْعَه في دائرة تَلَقّي التأثيرات المحتملة لدخول فرنسا في تحدٍّ بالغ الخطورة مع المنحى الدموي الذي عبّرت عنه جريمة نيس؟ أم أن بعض الأفرقاء اللبنانيين سيحاول الاستفادة من «الوقت الضائع» الأميركي والانشغال الفرنسي لتحسين شروطه في تشكيلةٍ وزاريةٍ لن يعني بأي حالٍ انكفاءُ الحزبيين عنها لمصلحةِ اختصاصيين تسمّيهم القوى الرئيسية ولو عن بُعد، أنها لن تعبّر عن توازناتٍ سياسيةٍ وعن مراكز نفوذ يُراد أن تُبقي على الإمساك بخيوط إدارة اللعبة كما استحقاقاتٍ مقبلة على أكثر من صعيد؟
سؤالان متعاكسان ظلّلا المشهد في بيروت التي لم تأخذ استراحةً عيد المولد النبوي الشريف إذ تردّد فيها بقوّة دويّ «الاعتداء الإرهابي في نيس» كما وصفه الرئيس ميشال عون في برقية تعزية الى نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون و«الهجوم الاجرامي الشنيع على كنيسة نوتردام في مدينة نيس» بحسب توصيف الرئيس المكلف سعد الحريري، فيما بقيت محرّكاتُ تأليف الحكومة على وتيرتها التسريعية في موازاة إيقاعٍ لا يقلّ ديناميةً لملف الترسيم البحري الذي عُقدت جولة مفاوضاته الثالثة أمس قبل أن تُرحَّل لنحو أسبوعيْن.
وبدا واضحاً أن ثمة مساعٍ جدية تُبذًل للإسراع في استيلاد الحكومةِ الجديدة التي رُسم لها «نظرياً» موعدان:
* الأول ذو بُعد «معنوي» وهو غداً الذي يصادف ذكرى 4 أعوام على انتخاب عون رئيساً، مع اعتبارِ البعض أن تشكيل الحكومة في هذا اليوم من شأنه أن يكون بمثابة إضاءة آخِر «زرّ تشغيلي» للعهد الذي لم ينجح منذ 2016 في إخراج البلاد من «طريق الجحيم» المالي – الاقتصادي الذي انزلقتْ إليه بعدما وجدتْ نفسها في حلقةٍ قاتِلة من الأزمات المتشابكة وغير المسبوقة في عمر الوطن الصغير ومئويته الأولى، وفي عيْن ثورةٍ شعبية خبا وهْجها ولكن جمْرها يغلي تحت الرماد، وفي عزلةٍ خارجية متمادية مربوطةٍ باقتياد لبنان إلى واجهة الصراع الأميركي – الايراني ومقتضياته.
* والثاني هو «الخط الوهمي» وعنوانه 3 تشرين الثاني، التاريخ «المفترض» لانتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسط ملامح حضّ داخلي على إنجاز التشكيلة الحكومية قبل هذا الموعد، وهو ما يراه البعض من باب الضغط «النفسي» أكثر منه الواقعي لكون سباق ترامب – بايدن مرشّحا لفصولٍ من الأخذ والردّ ناهيك عن أن الولايات المتحدة تدخل «طبيعياً» مرحلةً انتقالية لأكثر من شهرين بين أي تسليم وتسلُّم.
وفي موازاة هذين الموعديْن اللذين تعبّر عن السعي لتتألف الحكومةُ في مدارهما حركةُ اللقاءات اليومية بين عون والحريري، تُحاذِر أوساط سياسية ضرْب أي مواعيد للإفراج عن التشكيلة الموعودة في ظلّ «جدار سميك» من الصمت يفرضه كل من رئيسيْ الجمهورية والرئيس المكلف على نقاط التفاهم كما التباين، وإيحاءاتٍ بتعقيداتٍ أبعد من كيفية تدوير الحقائب (باستثناء المال التي سيحتفظ بها المكوّن الشيعي لمرة واحدة جديدة) وإسقاط تقسيمها سياسياً (عبر دور ناعِم للأطراف المعنية بالتسمية) ثم اسمياً، وتطول محاولاتٍ يُغمز منها لردّ اعتبار رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بعدما بدا الخاسر الأكبر منذ انفجار انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 واستقالة الحريري على وهْجها ثم اضطرار الفريق الرئاسي للقبول بعودة زعيم «المستقبل» منفرداً على «حصان» المبادرة الفرنسية من خلف ظهْر معادلة «الحريري وباسيل معاً»، وليس انتهاءً بتظهير المهمات الشاقة التي تقع على عاتق الحكومة العتيدة في الشقّ الإصلاحي الذي يشكل في ذاته «حقل ألغام» يتداخل فيها الغضب الشعبي المتحفّز لأي خياراتٍ مُرّة تبدو حتمية مثل رفْع الدعم وزيادة الـ TVA وتحرير سعر الليرة رسمياً وترشيق الإدارة، مع تحفّظاتٍ لا تقلّ ضراوة من أطراف وازنة في مقدّمها «حزب الله» الذي تبرز إطلالةٌ لأمينه العام السيد حسن نصر الله اليوم.
وفي سياق متصل، استوقف الأوساط السياسية حرْص عون على إضفاء طابع «التقدم والتأني» على مسار لقاءاته مع الحريري الذي كان ينفي بدوره ما يُنقل في ما خص تشكيل الحكومة، وسط إشاراتٍ خارجية تتواتر إلى أن المجتمع الدولي ليس في وارد التسليم بحكومة «كيفما كان» أي تستعيد معيار المحاصصة السياسية – الحزبية المعهودة التي عرْقلت أي منجى إصلاحي وتُبْقي على تأثير «حزب الله» و«كأن شيئاً لم يكن».
وفيما كان ترسيم التشكيلة الحكومية يَمْضي «بين الأشواك» غير المعلنة، استمرت مفاوضات الترسيم البحري بعيداً عن العيون والعدسات في مقر«اليونيفيل» في الناقورة بوساطة أميركية و رعاية أممية، في ظلّ معلومات عن أن جولة يوم أمس التي تخلّلها «خبز وملح» غير مباشر بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي اللذين«جمعهما»غداء (بوفيه) أعدّه الوفد الأممي ولم يخرق معه الطرفان قاعدة«التباعُد»(كلٌّ جلس على طاولةٍ)، تعمّقت في تفاصيل الترسيم الذي تعترضه عقدة رئيسية تتمثل في نقطة الانطلاق البرية التي يريدها لبنان من رأس الناقورة بخطّ ممتدّ بحرياً بما يعيد إلى بيروت نحو2290 كيلومتراً مربعاً وليس فقط 860 كيلومتراً اعتُبرت سابقاً المنطقة المتنازع عليها، فيما تتمسك تل أبيب بأن تنطلق من الخط الأزرق الذي تقضم عبره مساحةً تراوح بين 32 و50 متراً وتسمح لها بوضع اليد على أجزاء واسعة من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
elsiyasa.