جاء في “نداء الوطن”:
يبدو أن معظم القوى السياسية، إلا ما ندر، يتمنى لو تحصل عجيبة ما قبل الخامس عشر من أيار المقبل تطيح بالانتخابات النيابية. هذه الانتخابات وللمرة الأولى هي ورقة مخفية فيها مفاجآت غير سارّة، لأنه يستحيل على شعب تعرّض لأبشع صنوف الإذلال والاحتقار والسرقة أن لا يستغلّ هذا اليوم الانتخابي منتفضاً لكرامته، وإلا وجب البحث عن تسمية أخرى له غير تسمية الشعب والمواطن.
صعوبات كبيرة تواجهها قوى السلطة في إقناع الجمهور بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، حتى هذه الصعوبة موجودة في صفوف المتحزّبين لأسباب مختلفة أبرزها عدم القبول بالتحالفات القائمة، لذلك لم يتورّع بعض القوى عن سلوك طريق الترغيب والترهيب، وفجأة وبسحر ساحر، صار المفقود موجوداً والموجود مباحاً.
إلا أن الأبشع في سلوك بعض القوى، لا سيما ما اصطلح على تسميتهم 8 آذار، هو تهديد عائلات بقوت يومها من خلال التلويح بوقف الإعانة الشهرية إما الغذائية أو المادية في حال لم تذهب إلى صناديق الاقتراع لتنزل اللائحة المطلوبة في الصندوق مع الصوت التفضيلي المطلوب. والكثير من العائلات التي نُكبت جراء الانهيار الاقتصادي والمالي وبعدما كانت عائلات «مستورة» تؤمن قوت يومها بعرق جبينها، تم إبلاغها صراحة وبأسلوب فجّ ومهين «سنشطب أسماءكم من لوائح المساعدات إذا لم تقترعوا كما نريد». والجديد في التهديد والوعيد هو «لم يعد بعد اليوم من مناصرين، إما تنتسبون أنتم وأبناؤكم حزبياً وإلا فلن نلتفت إليكم بعد اليوم»، في ذلك مؤشر خطير على حالة الهلع التي تصيب المنظومة من أن تأتي النتائج عكس توقعاتها، إذ المطلوب ليس الفوز بالمقاعد ذاتها إنما المشروعية الشعبية.
والمتابعون لسير التحشيد الانتخابي يلفتهم انقلاب غير مسبوق في أخلاقيات وآداب التعاطي مع الناخب من قبل أحزاب السلطة، والمفاجأة أن من مسكوا أيديهم يوم كانت الطوابير تطول أمام محطات الوقود وفي المحال التجارية يبحثون عن المواد الغذائية الأساسية، وفي الصيدليات والمستشفيات حيث لم يعد أحد قادراً على الوصول إلى الدواء أو الاستشفاء، تراهم يفرشون المال علانية أمام الناخب وبسخاء غير معهود، والمهم نيل الصوت الانتخابي، وهذا مقرون بعبارات فيها من التهديد والوعيد لو تجرّأ أحد على البوح بها، لكان لزاماً على الأمم المتحدة ومعها المجتمع الدولي أن تمسك بالعملية الانتخابية وفق آليات تنفيذية مختلفة، فالانتخابات كما تدار الآن هي مزوّرة وخلافاً للقانون والدستور، ويكفي أنها تفتقد لمبدأ تكافؤ الفرص للمرشحين والناخبين، ناهيك عن سطوة القوة والقهر التي تمارس في دوائر واسعة من بعلبك الهرمل إلى الجنوب.
في التحضيرات المرافقة للعملية الانتخابية، يبدو واضحاً الاستخفاف بخطورة هذا الاستحقاق، وعملية «معس» الوقت المقصود من قبل السلطة، وكأنها تنتظر أمراً ما يريحها من إتمام العملية الانتخابية ويفرض تمديداً للمجلس الحالي الفاقد الشرعية الشعبية والميثاقية والدستورية تحت عنوان التأجيل حتى تتوفر ظروف أفضل، ولا يخطئ من يقول إن الانتخابات مهددة بالإلغاء والتأجيل إلى حين إقفال صناديق الاقتراع، لأن من اعتاد على سلوكيات المنظومة الحاكمة يعلم أنها، وبسهولة مطلقة، قادرة على قلب الحقائق والوقوف في مواجهة الخارج والداخل، وهي الآن تراهن على الحرب الروسية على اوكرانيا وانشغال العالم بها وعدم التفاته إلى لبنان لفعل ما تريد.
الأمر الوحيد الذي يؤرق المنظومة الحاكمة هو أن تطيير الانتخابات سيعني إلغاء زيارة قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، إلا أن البعض لا يرى حرجاً في ذلك، طالما أن ما كتب لزيارة البابا يقرأ من عنوانه، والعنوان هو كلام غير مسبوق سيسمعه الحبر الأعظم للزمنيين والروحيين سيجعلهم يتمنون لو تنشق الأرض لتبلعهم على أن يسمعوا كلاماً كهذا.
وحده الجيش اللبناني بالتنسيق مع القوى الأمنية، من قوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة أنجز الخطة الأمنية العملانية ليوم الانتخاب، وهو رغم ظروف الضائقة الخانقة التي يعانيها العسكريون، على أتمّ الجهوزية لحفظ أمن العملية الانتخابية وسلامتها، بحيث سيلمس المواطن قبل 24 ساعة من موعد فتح الصناديق إجراءات أمنية واسعة ظاهرة، وبعضها غير ظاهر، لتمرير هذا اليوم الانتخابي في حال حصوله، بلا أحداث أمنية تذكر.