واقعٌ صادم: صحّة قسمٍ كبيرٍ من اللبنانيّين بخطر
كتبت كريستال النوّار في موقع mtv:
الاهتمام بالصحة ضرورة قصوى إلا أنّ الوضع المتردّي جعله من الكماليّات. فالذهاب إلى الطبيب وإجراء الفحوصات الدوريّة وأخذ التّطعيمات الروتينيّة بات يتطلّب التضحية بأمورٍ أساسيّة أخرى، لدرجة أنّ البعض يتخلّون عن صحّتهم مكرهين من أجل تأمين الطّعام فقط!
وتُشير منظّمة “أطباء بلا حدود” إلى أنّه مع زيادة مصاعب المجتمعات المهملة في لبنان إثر الأزمة، تعمل المنظّمة على تأمين التطعيم الروتيني للأطفال في منطقة وادي خالد، التي تعكس أحد أدنى معدلات التحصين في البلاد، لافتةً إلى أنّ “لبنان لطالما ضمّ مجتمعاتٍ مكافحة من أجل تأمين لقمة العيش، بعيدة عن الأنظار موجودة في الضواحي شبه المتهدمة والقرى النائية وسط تجسيد البلد بصورة الرفاهية. ويبعد هذا كلّ البعد عن الواقع والخطاب العام الحالي وسط الأزمة”.
الطّعام على حساب الصحّة
أمام هذا الواقع، تدفع الاحتياجات المتزايدة للمجتمعات في لبنان، الناس، إلى إعطاء الأولوية لشراء الطعام على حساب الوصول إلى الرعاية الصحّية، في بلدٍ تنتشر فيه خصخصة الرعاية الطبية بشكلٍ كبير، كما تقول المنظّمة.
ولتجنّب إنفاق المال، يؤخّر عددٌ كبير من الأشخاص طلب الرعاية إلى حين تدهور حالتهم الصحّية ووصولها إلى درجةٍ حرجة. وفي هذه المرحلة، يكون قد فات الأوان لاتّخاذ تدابير الرعاية الوقائيّة وتكون الحاجة إلى العلاج في المستشفى ملحّة. وهنا الكارثة! مَن يملك اليوم المبالغ الهائلة للحصول على الرعاية في المستشفيات؟
يقول رئيس بعثة “أطباء بلا حدود” في لبنان مارسيلو فرنانديز إنّه “مع زيادة نسبة الفقراء اللبنانيين، من المرجّح أن تُهمل المجتمعات التي تعيش على حافة الفقر الرعاية الوقائيّة أو تحاول علاج الأمراض بنفسها”. ويُضيف: “ما نشهده في وادي خالد مثالٌ حيّ على ذلك، والأشخاص الذين يُعانون من الظروف الهشة هم الأكثر تضرّرًا”.
وداعًا للتطعيم الرّوتيني
يُعدّ التطعيم أحد الخدمات الطبّية الأساسيّة التي يضطرّ اللبنانيون إلى التخلّي عنها بسبب غياب نظامٍ لتقديم الخدمات الصحّية بالشّكل المناسب، لا سيما في المناطق المهملة. وهذا الوضع يزداد سوءًا مع تفاقم الأزمة المعيشيّة والاقتصاديّة.
وتقول منظّمة “أطباء بلا حدود”، إنّ استخدام لبنان للتطعيم الروتيني انخفض بنسبة 31 في المئة على المستوى الوطني نقلاً عن عددٍ من الدراسات منذ العام 2020. ويعود السبب إلى إجراءات الإقفال المرتبطة بتفشّي فيروس كورونا وحواجز تكلفة النقل ونقص التطعيمات في القطاع الخاص حيث يُكافح لبنان لاستيراد الإمدادات الطبّية والأدوية.
ويقول فرنانديز: “نحن أمام واقعين هنا. أولاً، ستسفر زيادة عدد الأشخاص الذين يتم إدخالهم إلى المستشفيات في حالات كان من الممكن تجنّبها من خلال الرعاية الوقائيّة، عن ضغطٍ إضافيّ على النظام الصحي المنهار. ثانيًا، بالرّغم من أنّ المرضى تمكّنوا من تفادي دفع التكاليف لبعض الوقت عن طريق تأخير الحصول على الرعاية الطبية، إلا أنّهم سيجدون أنفسهم في النهاية مجبرين على دفع رسوم الاستشفاء في بلدٍ لا يستطيع فيه معظم الناس تحمل تكلفة التأمين الصحي الخاص، فضلًا عن الصندوق الوطني للتأمين الصحي المتفكك بسبب الظروف الراهنة”.
واقعٌ مُقلقٌ للغاية
يُمثّل الوضع الصحّي في وادي خالد أحد الأمثلة الملموسة لما يحصل في البلاد عموماً، من خلال النظر إلى عدد الأطفال الذين لم يتلقوا التطعيم الروتيني. وهذا أمرٌ مقلقٌ للغاية في بلدٍ يُعاني من تفشّي مرض الحصبة بشكلٍ منتظم ولا يزال يُكافح لضمان عدم ظهور أيّ إصابات بشلل الأطفال.
وتكشف رنا حمّود، وهي ممرّضة في عيادة “أطباء بلا حدود” عن “انخفاض نسبة تغطية التطعيم الروتيني في منطقة وادي خالد، وهذا جليٌّ من خلال مُلاحظة عدد الأطفال الذين يصلون إلى عيادتنا من دون تلقّي لقاح التهاب الكبد B عند الولادة”. وتُضيف: “تدعم فرقنا برنامج التحصين التابع لوزارة الصحة العامة من خلال توفير التطعيم الروتيني. ونجحت أطباء بلا حدود منذ عام 2021 في تطعيم أكثر من 5،000 طفل بشكل كامل”.
الأطفال الذين يجب أن يكونوا المستقبل الواعد للبنان، تخيّلوا أن يكبروا من دون تلقّي أهمّ التطعيمات الصحّية التي تقيهم من المُضاعفات وتضمن لهم حياةً طويلة وسليمة! تخيّلوا هذا المستقبل المُظلم الذي يزداد قتامةً يوماً بعد يوم، ليطال الرعاية الصحّية الخاصة بالأطفال… كلّ ذلك مُقابل تأمين الخبز والطّعام لإبقائهم على قيد الحياة.
أيّ حياةٍ هذه، من دون أدنى مقوّمات العيش والسلامة والأمان الصحّي؟