إشكال القضاء والمصارف يُفاقم الأزمات
جاء في جريدة “الانباء” الالكترونيّة:
التخبط الذي ينعكس على الوضعين المعيشي والاقتصادي يجعل اللبنانيين في قلق دائم وأسرى الأزمات المتلاحقة التي تواجههم وتقض مضاجعهم، في ظل اللامبالاة الواضحة أو قلة الحيلة عند المسؤولين وعجزهم عن إيجاد المعالجات الناجعة.
ومع الاقفال الذي أعلنته المصارف اليوم وغداً، في ظل الكباش الدائر بينها وبين القاضية غادة عون، فإن أزمة المحروقات تطل مجددا جراء ذلك، ورغم إعلان وزارة الطاقة عن اتصالات أجراها الوزير وليد فياض أفضت الى تسليم الشركات للبضاعة وفتح المحطات، فإن مشاهد الطوابير بدأت منذ امس الأحد ومستمرة، في وقت تترقب أوساط قضائية وقانونية ما إذا كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيمثل أمام القاضية عون أم سيتخلف عن الحضور كما فعل في المرات السابقة، خصوصاً بعد توقيف عون لرجا سلامة شقيق حاكم المركزي بعد استجوابه منتصف الأسبوع الفائت ما يعني ان الأزمة إلى مزيد من التفاعل في الأيام المقبلة.
الخبير المالي والاقتصادي أنطوان فرح أشار في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أن القطاع المصرفي “هو الشريان الحيوي في البلد، وحين يتوقف هذا القطاع عن العمل يعني الشلل التام في كل الحركة المالية، بما فيها المقاصة، وسحب اارواتب، وإنجاز المعاملات، وفتح اعتمادات، إذ إن كل الحركة المالية في البلد تعتمد على القطاع المصرفي وخصوصا أنه في الفترة الأخيرة كان هناك حركة كبيرة في القطاع المصرفي بما يتعلق برواتب القطاعين العام والخاص. وبالتالي توقف العمل المصرفي يسبب شللاً ماليا تاماً”.
لكن “الأخطر والأهم”، بحسب فرح هو ما لا يتعلق بالشلل المالي فحسب، “بل بالسمعة التي يمكن ان تسوء اكثر بعد اضراب القطاع المصرفي”. فرح رأى أن الأسباب التي دعت الى الاضراب “هي التي تضرب السمعة أكثر عندما يسمع مَن بالخارج ان القطاع المصرفي يشكو القضاء المسيّس والفوضى القضائية، وما إلى هنالك من نظرة الخارج إلى البلد”، مشيرا إلى أن “سمعة القطاع المالي برمته سوف تصبح متدنية جدا وتصبح علاقة المصارف المتعاونة مع المصارف اللبنانية أصعب، وبالتالي المسؤولية بهذا المجال تتحملها الدولة”.
ولفت فرح الى ان “الدولة هي التي تسببت بهذا الانهيار الكبير وتركت وراءها المودعين والمصارف من دون أموال لأنها اودعت اموالها في البنك المركزي الذي لم يعد قادرا ان يرجعها لها، والبنك المركزي أصبح كذلك بدون أموال لأنه فرضت عليه الدولة إما الاقتراض من دون فوائد أو تثبيت سعر صرف الليرة من دون خسائر، ما كبده هو خسائر إضافية”. وأضاف: “بهذا المشهد الأسود تبدو الدولة وكأن الأمر لا يعنيها، حتى أن جلسة الحكومة الأخيرة كانت اقل من المطلوب”، معتبرا أن “المطلوب حالة طوارئ لمعالجة الازمة التي هي ليست قضائية ولا مصرفية ولا حتى مالية، بل هي ازمة سياسية بامتياز على الدولة ان تتحمل مسؤوليتها وتعالجها”.
وفي موضوع المحروقات، أوضح ممثل نقابة موزعي المحروقات فادي ابو شقرا في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية أن “الشركات المستوردة للنفط ستقوم بتسليمنا البضاعة كالمعتاد، ونحن بدورنا سنقوم بتسليم المحطات التي يمكننا تسليمها. لكن المشكلة هي في أن هناك بعض الشركات لم تنه معاملاتها مع المصارف، وكلنا نعلم بوجود اضراب في المصارف. لذا ربما تحصل بعض العراقيل من بعض الشركات، ولكن لا يوجد محطات مقطوعة من المحروقات والبضاعة ستكون مؤمنة”، مشيرا الى اتفاق مع وزير الطاقة لتسليم المحطات التي ليس عندها بضاعة من أجل تخفيف الضغط في الاسواق الى ان تحل مسألة المصارف.
أما في موضوع اضراب قطاع المحروقات الثلاثاء، فقد كشف أبو شقرا ان سببه كتابٌ من قبل المديرية العامة للنفط يطالب بتوقيف ١٤٠٠ صهريج عن العمل، والطلب الى أصحابها استبدالها بأخرى جديدة، وهذا الطلب لا يمكن تنفيذه في هذه الظروف الصعبة، لأن ثمن الصهريج ٢٠٠ ألف دولار اميركي، ولا أحد يستطيع تأمين هذا الطلب، ما سيؤدي إلى وضع ١٤٠٠ عائلة في الشارع”.
في ضوء ذلك اذا تبدو الصورة قاتمة، خصوصا وأن همساً يتسرّب من بعض الغرف المغلقة عن إصرار لدى التيار الوطني الحر على تطيير الانتخابات، وبعد أن فشل في استعمال ورقة المهل، ثم ورقة المغتربين، وبعدها ورقة الميغاسنتر، ولاحقاً ورقة التمويل، فها هو يعمل عبر أذرعه في السلطة الى افتعال إشكالات متكررة مع المصارف التي بدورها لا تألو جهداً لملاقاته في وضع اللبنانيين بمأزق خطير، وهذا يعني في ما يعنيه تهديد جديد للاستحقاق الانتخابي، الامر الذي يجب التنبه اليه في الأيام القادمة حرصا على إجراء الانتخابات في مواعيدها ولانتظام العمل السياسي الديمقراطي الصحيح، أيا كانت النتائج التي لا يجب أن يخشاها الواثقون بمسارهم ومسيرتهم ونضالهم والتصاقهم بالناس، كما عبّر عن ذلك بوضوح تام رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط أمس الأول أمام الحشود في المختارة.