عن المظلومة الأكبر في لبنان… و”الجبل”
كتبت سينتيا سركيس قس موقع mtv:
يومَ أصبحتُ أمًّا أدركتُ معنى أن يعيشَ القلبُ خارجَ الجسم… وحدهنّ الأمّهات يُدركن ما تعنيهِ هذه العبارة، فالأمومةُ قد تكونُ الاختبارَ الأجملَ والأصعبَ في الحياةِ في آنٍ واحد، خصوصًا في لبنان!
لم يهدأ تاريخُنا عن الثوران منذ تأسّسَ لبنان، وكأنّ نحسًا ما يلاحقُ أهلَ هذه البلاد، وأكثر من مُنيَ بكلّ مصائبنا هي الأمُ اللّبنانية التي لا تُحسَدُ على أمومةٍ في بلدِ المصائبِ والحروبِ والظلمِ…
أتعلمون كم أمٍّ في لبنان فقدت ابنًا أو اثنين أو ثلاثة في يومٍ أو شهرٍ واحد في السبعينيات أو الثمانينيات، يومَ هبّ أولادها للدفاع عن بلادهم حينما غابت الدولة؟ أتعلمون كم أمٍّ في لبنان سَجنت روحها وألمَها في النهار حتى تمدَّ العائلةَ بالقوةِ والصبر، وتركَتْ الليلَ الشاهدَ الوحيدَ على دموعها والنار التي لم تترك جزءا من قلبها إلا والتَهَمَتْه؟
إمّ شربل بكَتْ شربل وميشال في ظلمة الليالي، وفي النهار انتصبَتْ كالجبلِ الذي لا يهزّهُ شيء… هي كانت واحدةً منهنّ، وهنّ بالتأكيدِ كثيرات.
أتدركون حجمَ النارِ التي تحترقُ فيها أمّهاتُ المعتقلينَ في السّجونِ السورية؟ فهل من شعورٍ أصعبَ من أن تعلمَ الأمُّ أنّ ابنَها معتقلٌ منذ عشراتِ السنوات في سجنٍ يعلمُ القاصي والداني أنه جهنّمَ على الأرض، فيه تعيشُ تعذيبًا قد لا يخطرُ في بالِ إبليس… ؟ كونوا أكيدينَ أن عذابهنّ لا يقلّ عن عذابِ أبنائهنّ.
أمهات الموقوفين ظلمًا هم ضحايا أيضا، يتألّمْنَ يوميّا للظلمِ اللاحقِ بأولادهنّ، مع علمهنّ أنّ في لبنان وللأسف دائما ما ينتصرُ الظلمُ على الحقِّ، ونذكرُ منهنّ أمهاتِ الموقوفينَ في أحداثِ عين الرمانة.
أما عن أمّهاتِ ضحايا انفجار مرفأ بيروت، فهنا قد لا نجدُ كلامًا يعبّرُ عن النارِ التي تتآكلهنّ، هنّ اللواتي فقدْنَ أغلى ما يملكْنَ في أبشعِ جريمةٍ هزّت البشريةَ على الإطلاق، ممنوعٌ فيها حتى مساءلةُ من كانَ مذنبًا أو له درايةٌ بما كان مخزّنًا في المرفأ. بُحَّتْ أصواتهنّ، تماما كما احترقت أفئدتهنّ بلا نتيجة، بعدما دفنَّ ما وُجدَ من أجزاءِ أبنائهنِّ في القبور، ومعها دفنَّ أرواحهنّ كاملة.
في عيدِ الأم، تحيةٌ لكلّ أمٍّ في لبنان تعيشُ اليومَ عذابًا لا ينتهي، لكلّ أمٍّ ودّعتْ كلّ أبنائها ممّن قرّروا البحثَ عن مستقبلٍ في بلادٍ بعيدةٍ من هنا، بعدما تحوّلتْ أرضُهم إلى سجنٍ للحياةِ والطموح.
تحية إلى كل أمٍّ عاجزةٍ عن تأمينِ أبسطِ الحاجاتِ لأولادها بعدما نُهب ما في الوزاراتِ والإدارات والجيوب…
تحيّة لهنّ جميعا، فما في قلوبهنّ دليلٌ على أننا محكومونَ بالظلمِ في هذه البلاد… و”الله شاهد”!
تحيّة لكلّ أمّ… أنتِ أجملُ ما في الحياة، وأكثرُ من يدركونَ ذلكَ هم أولئك الذين يُبكيهم العيدُ في كلّ عام.