وفد روسي في بيروت… وقاسم مشترك بين السفير الروسي والسفيرة الأميركيّة
تزامناً مع انعقاد الجلسة الثانية من مفاوضات ترسيم الحدود نهار الأربعاء 28 تشرين الأول، يصل إلى بيروت وفد روسي للقاء المسؤولين اللبنانيين. لن يكون الوفد برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي تأجلت أكثر من مرّة زيارته لبنان. ولكن لافروف كان في اليونان وعرض وساطة روسية بين الدول المتشاطئة شرق البحر المتوسط. وتلك الوساطة الروسية قابلة للتحقق في لبنان، ليس بالضرورة الآن، ولكن حتماً سيكون لموسكو دور مستقبلي في ما يرتبط بترسيم الحدود اللبنانية السورية، وبالمساعي الروسية على خطّ المفاوضات الإسرائيلية السورية.
روسيا السورية
يعلن المسؤولون الروس صراحة أن لا مشروع لديهم في لبنان. ولكن بحكم الأمر الواقع والجغرافيا السياسية، من له حضوره في سوريا لا بد له أن يكون موجوداً في لبنان، أو يمتلك تأثيراً فيه. فموسكو حظيت قبل سنتين بإعادة تأهيل خزانات النفط في طرابلس. وشركة نوفاتيك الروسية إحدى الشركات العاملة في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية.
أما زيارة الوفد الروسي فمتعددة الأبعاد. وعنوانها الأساسي البحث في الخطة الروسية التي أعلنت في العام 2018 لإعادة اللاجئين السوريين. ومعروف أن هذه الخطة لم تسجّل أي تقدم في غياب التوافق الدولي، وعدم وضوح معالم الحلّ السياسي في سوريا. ويتركز اهتمام الوفد الروسي الزائر على إمكان توفير ظروف لعقد مؤتمر دولي للبحث في مسألة إعادة اللاجئين السوريين. وهذه مسألة لا تنفصل دولياً عن المسار السياسي والعسكري للواقع السوري.
روسيا والتطبيع
وقد يكون الأهم في هذه الزيارة، أنها تأتي في أعقاب اتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل. في هذا السياق لا يمكن إغفال المصلحة الروسية، بحكم العلاقة الثلاثية القائمة بين بوتين وترامب ونتنياهو.
وفي زيارته الأخيرة إلى سوريا، كان لافروف قد نصح بضرورة التفاوض مع إسرائيل، وتخفيف الوجود الإيراني في سوريا. وبعد ذلك بساعات أعلن لافروف عن تعيين مبعوث خاص له إلى سوريا، مهمته الدفع في هذين الاتجاهين. وألكسندر كينشساك، أي موفد لافروف إلى سوريا، سيكون في عداد الوفد الروسي إلى لبنان، إضافة إلى مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، ورئيس المركز القومي لإدارة الدفاع ميخائيل ميزينتساف، وعدد من الضباط في وزارة الدفاع.
تل أبيب – بيروت
وتأتي زيارة الوفد الروسي بعد أيام من تسلّم السفير الروسي الجديد في لبنان الكسندر روداكوف مهامه، بعدما كان سفيراً لبلاده في تل أبيب.
وهنا ثمة مفارقة أميركية روسية لا بد من تسجيلها: اختيار الدولتين العظميين سفيرهما في لبنان، بعدما كانا سفيرين في إسرائيل. وهذه حال السفيرة الأميركية دوروثي شيا. ولا بد لهذا التقاطع من ارتباط بإشارات سياسية جديدة، واهتمامات الدولتين بإعلاء شأن “العلاقات” اللبنانية الإسرائيلية، فيما هي تسلك طريقاً مختلفة بفعل الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وصولاً ما بعد مفاوضات ترسيم الحدود.
الترسيم وما بعده
تشير هذه التطورات – إضافة إلى بعض المواقف اللبنانية التي تبدي حماسة لـ”حل الخلافات مع إسرائيل”، قبل عقد مفاوضات سلام معها – إلى أن تحولاً سياسياً كبيراً ينتظر لبنان.
قد لا يحقق هذا التحول نتائج الآن، وقد لا تنجح القوى في فرض نتائجه. لكن هذا لا يلغي أنه أصبح خياراً مطروحاً، وسيكون موضوعا لمداولات كثيرة في مرحلة ما بعد إنجاز اتفاق ترسيم الحدود.
قد تكون الطريق طويلة وصعبة، وغير معبدة. ويمكن قراءة مسارها من مسار مفاوضات الترسيم ونتائجها، والتي قد تطيح بها التطورات الإقليمية في أية لحظة، لأنها لا تحدث في إطار اتفاق سياسي يسهل إنجاز أي تفاهم تقني، أو يذلل خلافاً وتباعداً كبيرين في وجهات النظر.