ملفاتنا الصحية اختفت… وحلٌّ لو يتحقق!
كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:
أفرغت الأزمةُ الجهنّمية التي نعانيها، البلادَ من نخبةِ أطبائها وأساتذتها ومهندسيها وسائر المميّزين في مهنهم، كثر غادروا وآخرون يستعدّون للمغادرة بحثا عن حياةٍ أفضلَ، عن كرامةٍ أضاعوها في وطنهم وعن حقوقٍ وأمان وطمأنينة مفقدوين. إلا أن الكارثة التي بدأنا بتلمّسها في الفترة الاخيرة هي أن سجلاتنا الطبية تبخّرت مع مغادرةِ أطبائنا لبنان، الأمر الذي شكّل لكثيرين حالة من الضياع والقلق.
فقد فوجئ الكثيرُ من المواطنين في الآونة الأخيرة، عندما اتصلوا لمراجعة أطبائهم بأن هؤلاءَ غادروا البلاد بسبب الاوضاع، وبالتالي ذهبَ معهم تاريخُهم الصحيّ كاملا الذي يملكهُ طبيبهم، وبالتالي تُركوا من دونِ أيّ سجلٍّ صحيّ، باستثناء قلّة من الأطباء الذين راسلوا مرضاهم وأرسلوا لهم السجلاتِ الصحية بواسطةِ البريد الالكتروني.
سيدات كثرٍ فقدنَ تاريخهنّ الصحيّ مع مغادرة طبيبهنّ النسائي البلاد، وأطفالٌ تُركوا من دون سجلّهم الذي لحظَ مختلف المشاكل الصحية التي عانوا منها منذ ولادتهم، ومواطنون فقدوا كلّ معلوماتهم بعدما هاجر أطباء العائلة وأطباء الصحة العامة والقلب، ومختلف الاختصاصات التي تحتاجُ متابعةً على مرّ السنوات.
مشكلتنا الأساسية تكمنُ في أننا لم نوضَع يوما في لبنان على السكةِ الصحيحة في مختلفِ الميادين، وفي طليعتها الصحية، والواقعُ الراهن اليوم في مجال الطبابة وعلى مستوى المستشفيات في لبنان أكبرُ دليلٍ على المجزرة الصحية التي مُنينا بها نتيجةَ الإهمال على مدى السنوات، علما أن واحدا من أهمّ المشاريع التي كان أعلن عنها وزير الصحة السابق غسان حاصباني للأسف لم يُبصر النور، وهو السجل الصحيّ الرقميّ الذي كانَ ليشكل ثورةً صحية فعليّة تطيحُ بكلّ البدائية الورقية التي لا تزال مسيطرةً في إداراتنا ومؤسساتنا.
فلو تحقَّق السجلُ الصحيُ الرقميّ لكانَ بإمكان أي طبيبٍ الوصول إلى كل المعلوماتِ والبيانات الطبية التاريخية للمريض بطريقةٍ سهلة وسريعة عن طريقِ الانترنت، من دون الإضطرارِ إلى إجراءِ الفحوصات والاختبارات، وبالتالي فإنه كان ليوفّر الوقت والمال وكان ليحدّ من تكاليفِ الرعاية السريرية، وفي خضمّ أزمتنا اليوم وهجرة الأطباء، ما كنّا لنتأثرَ كثيرا من ناحية معلوماتنا الصحية، فكلّها موجودةٌ في سجلنا الرقمي.
هذا النظام الذي يتّبعه عددٌ كبيرٌ من الدول التي أدركت كيف تضعُ خططًا وأنظمةً متطوّرة تسهّل حياة شعوبها وتُمكنِنُها هو أكثر ما نحتاجه اليوم في لبنان لتنظيم ملفاتنا الصحية، وهو أمرٌ لن ننتظرهُ ممّن هم في السلطة اليوم، فهؤلاء آخر ما يهمّهم هو راحةُ مواطنيهم وصحّتهم… فالتعويلُ كلّ التعويل على من ستُنتجهم الانتخابات المقبلة، علّ السجلّ الرقميَ الصحي يكون من أولوياتهم.