حتى الموت “بِوَجّع” وكلفته باهظة!
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
حتى الموت بِوَجّع، وكلفته باهظة لا يقوى عليها كثر، اذ تتجاوز كلفة تجهيز الميت بين القبر ولوازم العزاء الـ15 مليون ليرة. كلفة مرتفعة جداً وخارج قدرة كثر ممّن باتوا يخافون الموت، تماماً كخشيتهم من دخول المستشفى.
عادة، يتمنى المواطن الموت ليرتاح من همّ الحياة، فكيف اذا كانت كلفته همّاً اكبر؟ فكل مستلزمات الدفن بالدولار الفريش، حتى القهوة والدخان لوازم العزاء.
فتكاليف الميت تشكل عبئاً كبيراً على شريحة واسعة من الناس، اذ ارتفعت بشكل خيالي، تجاوزت الـ12 مليون ليرة وربما اكثر، ولا عجب إن باتت بالفريش دولار. الموت بات مرعباً لافراد العائلة، ففي وقت تراجعت فيه الرواتب وتحللت الى حدود الـ50 و100 دولار، كانت كلفة القبر وحده ترتفع الى حدود الـ3 ملايين ليرة وهي تزيد بحسب البلدة والقرية والمدينة، هذا ناهيك، عن كلفة العزاء من قهوة ودخان ومحارم، وإن حدّ وباء كورونا كثيراً من مراسم العزاء ما خفف الفاتورة، غير ان هناك من يحافظ على تلك العادات والتقاليد ولو «بالدين».
بدأت منال تجمع كلفة وفاتها من الآن، السيدة الخمسينية التي تعمل براتب لا يتجاوز الـ750 الف ليرة، تخاف كلفة الموت اكثر من الموت نفسه، إذ تعيش قلقاً كبيراً، بعدما تحول الموت تجارة، «كان الموت رخيصاً صار كتير غالي».
ليست منال وحدها من يقلق من فواتير الموت المرتفعة، بل كثر حذوا حذوها، في ظل الظروف القاسية التي يرزح الناس تحت وطأتها حيث بات الحصول على الاكل صعباً، يصبح الموت اكثر صعوبة، «لم اعد اتمنى الموت لسبب وحيد انني اعجز عن دفع كلفته، رغم انني ميت على قيد الحياة»، عبارة لموسى كفيلة بتأكيد حجم مأساة المواطن المعيشية وحتى النفسية ويعيش القلة على كافة الصعد، ويحلم براحة ابدية.
«حتى تلك الراحة حرمونا منها»، تقول ماجدة التي ذاقت وجع الموت وفواتيره القاسية، خسرت والدتها قبل فترة، وصعقت من كلفة الدفن والعزاء، «حتى الحفرة الصغيرة ثمنها أعلى من راتبي، تقول باكية»، مضيفة «كل تكاليف القبر والعزاء بالفريش دولار، الا حياتنا بالعملة المتدهورة».
تختلف كلفة الوفاة من بلدة الى اخرى، وكذلك سعر القبر والكفن، فهي تتراوح بين الـ3 ملايين والـ5 ملايين ليرة، تضاف اليها اجرة حافر القبر والبلاطة الرخامية، فتصل الكلفة الى الـ7 ملايين ونصف تقريباً، بالإضافة لتكاليف العزاء والكفن وغيرها. ولا يخضع الدفن الى نظام التقسيط. «قبل الازمة كان ثمن القبر 500 دولار، واليوم بات 300 دولار، اي اننا خفضنا الكلفة»، يقول أحد العاملين في الوقف، لافتاً الى ان ثمن القبر يعود للوقف التابع للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وهو كلفة حجز الارض، وكثر يدفعون على مضض لان لا حول ولا قوة لهم، وكثر تخلوا عن عادات العزاء نظراً للظروف الصعبة مكتفين بالدفن والتعزية على الهاتف».
تجارة الموت
كلفة الموت باتت تجارة مربحة، اذ يستغله التجار لتحقيق ارباح تبدأ من سعر الكفن الى الرخام واجرة حفر القبر وتكرّ السبحة نحو قرّاء العزاء وتكاليفه. تجارة تواكب موجة الغلاء «وهي مربحة» على حد وصف أحد العاملين في رخام القبور ممن وجدوا في هذا العالم فرصة خيالية لتحقيق الارباح، مستندين على ارتفاع الدولار، لافتاً الى «ان بلاطة القبر كانت تكلف بحدود الـ300 الف ليرة وصلت اليوم الى حدود الـ٣ ملايين ليرة وتزيد الكلفة حسب نوعية الرخام، ونشتريه بالدولار الفريش، وهي تعرفة ثابتة»، من دون أن يخفي حجم الارباح المحققة من تلك التجارة.
«الميت يجب ان يكفن، ولا مفر منه، وسعره خضع للارتفاع لأننا نشتريه بالفريش دولار»، يقول أحد باعة الأكفان، لافتاً الى ان «الموت بات عالدولار وتختلف التسعيرة حسب سعر الصرف في السوق السوداء، ولم يعد الموت رخيصاً بل بات باهظاً جداً، والكل مجبر على دفع كلفته لان لا مهرب من الامر».
عادة ما يتكلف الاثرياء بدفن الفقراء ودفع بعض التكاليف، مراعاة لظروفهم، ولكن الكلفة العالية دفعت الكثيرين للقول: «بتنا نخاف الموت والحياة معاً، لان من يحكمنا هو جلاد بلا ضمير».