حلاق الفقراء.. موسيقى طربيّة ولا مكان للسياسة و”النقّ”!
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
يعاند الحلاق علي الصبوري ظروفه، لم يتخلّ إبن مدينة النبطية عن صالون الحلاقة القديم وأبقى على الموس والطاسة النحاسية والفرشاة في عمله، عدّة والده وقد ورث صالونه ومهنته رغم تخصّصه في الهندسة المعمارية البعيدة كل البعد عن قصّ الشعر وحلاقة الذقن، ومع ذلك إمتهن الحلاقة وأضحى الحلاق الشعبي الوحيد في المدينة.
في صالونه يعمل المعلم علي، يستقبل زبائنه من مختلف الاعمار، وإن كان جيل الشباب لا يرتاد محله، فالموضة الحديثة لم تعرج على الصالون الذي تنتشر في داخله صور قديمة ومذياع عتيق، وتفوح منه ذاكرة المدينة القديمة، اذ يعود تاريخه إلى اكثر من 80 عاماً.
رفض المعلم علي تطوير صالونه لمجاراة العصر حيث الحلاقة بالماكينة، بل ابقى على قديمه إنطلاقاً من مقولة والده “القديم ثروة الحاضر”، لذا أبى الا ان يحفظ هذا الارث بكل تفاصيله، ويقصده كثر للحلاقة عالموس، الحلاقة التي غابت عن كل صالونات الحلاقة الشبابية.
“عالموس وعالناعم بدي الحلقة” عبارات يسمعها يومياً من زبائنه الذين يعشقون الحلاقة القديمة، ويستمتعون بموسيقى الطرب التي تنبعث من المذياع الذي يقدر عمره بعمر الصالون، ويعتبرها المعلم علي جزءاً من تراث الصالون رافضاً تغيير هويته ويحافظ على كرسيه القديم ايضاً، وقد غدت ملاذ عشاق التراث. يكفي ان القصّة في هذا الصالون ما زالت مقبولة وشعبية.
بمريوله القديم وقبعته، ينطلق المعلم علي في عمله، يتناول الموس الحديدي ويبدأ بحلاقة ذقن أحد زبائنه، يرى في مهنته تراثاً يحفظ جزءاً من ذاكرة المدينة.
لم يرفع اجرته كما باقي الصالونات، لانه يريد ان يبقى حلاق الفقراء على حد قوله، اذ يرى “أن الازمة المعيشية شفطت كل شيء حلو في الحياة، وحولت حياة المواطن جحيماً، ومع الاسف، كل شيء ارتفع ثمنه ولحق موضة السوق السوداء”. غير أن للحلاق علي رؤية مغايرة، فهو إبن المدينة ويعرف أوضاع الناس، “لذا حافظت على شعبية الحلاقة”، ويعتبر أن الحلاقة بالموس جزء من حياته، علاقته به علاقة ود، سيما وأنه الوحيد في المنطقة الذي يحلق عالموس.
يؤكد على شعبية صالونه وجماليته في آن رغم صغر حجمه، غير أن الجلسة داخله “بترد الروح”، كما يقول محمد الذي يقصده كلما يزور لبنان لانه يشعره بالراحة.
لا حضور للسياسة ومشاكل البلد في الصالون، وحدها موسيقى عبد الحليم تعدّل المزاج وتفرض حضورها داخله والعدة القديمة تفرض سيطرتها على المكان، فلا مكان للحداثة هنا، ولا للموضة الوافدة ايضاً، القصة شعبية والعدّة تراثية، والزبائن اغلبهم من جيل الاربعينات ويعشق هذا النمط من الحلاقة.
داخل الصالون الشعبي الوحيد في منطقة النبطية، تتعرف على مشاكل الناس، على معاناتهم اليومية مع فقدان الدواء وغلاء الخضار والخوف من المرض، هنا يحاول كل زبون ان يزيل قلقه بحلاقة غير مألوفة.
يؤكد المعلم علي ان عدداً من زبائنه يقصدونه ليتسنى لهم قص شعرهم عالموس وليس بالماكينة. يعشق مهنته، يجد عبرها راحة بال، اذ تجتاح الصالون الموسيقى الطربية، ولا مكان هنا للنقّ والبكاء على اطلال الازمات، بل يجد الزبون متسعاً من الوقت لمراجعة حاله واحواله، ويبتعد عن هاتفه النقال ووسائل التواصل.
ففي رحلة العشر دقائق، وهي مدة حلاقة الذقن بالموس، تعيش حالة تصالح مع ذاتك كما يقول، بل تسترد قوة تفكيرك لتتمكن من مواجهة ازماتك بثقة. ويخشى من اقفال صالونه بعد وفاته، “اذا لم يفعل ابني ما فعلته ويتخلى عن شهادته ليحمي حرفة والده”، ومع ذلك يطمح أن يبقى الصالون شاهداً تاريخياً على تراث المدينة.