أسعار الأدوات الكهربائية نار: لا تقسيط… بل بحث عن المستعمل
معالم التقدّم كلّها في لبنان بخطر، مع تلاعب سعر الصرف. فلا يحصل المواطن فقط على الكهرباء “بالقطارة”، بل الأزمة أعمق من ذلك. إذ ليحتاج إلى الكهرباء أو الإنترنت يجب أن تكون الأدوات الكهربائية متوفّرة لديه في المنزل. ويعد محظوظاً من موّن نفسه “كهربائياً” قبل التضخم، فماذا يفعل المواطن اليوم؟
لم يكن أمام هنري (جبيل)، العريس الجديد في أيام يصعب فيها الزواج، إلا الاستسلام للفاتورة بالدولار التي حدّدها صاحب محل أدوات كهربائيّة في جبيل. تلقّى عرضاً منه، باعتباره يجهّز منزله من الصفر، فبدل أن يدفع ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار مقابل تجهيز كامل، تقاضى ألفين. لم يوافق هنري، إلا بعد أن جال على بلاد جبيل وكسروان وقارن الأسعار. لم يفكّر في الابتعاد عن رقعة سكنه والولوج إلى عمق الاوزاعي، وهي منطقة في الضاحية الجنوبية، معروفة بانخفاض الأسعار فيها للمعدّات الكهربائية والمفروشات ويقال إن معظمها مهرّب، إذ إنّه يفضّل الشراء من شخص يعرفه ويكفل له أصالة البضاعة، لا أن يغرق في جدل في حال تعطّلت أيّ آلة.
اذا الاوزاعي بعد أن كانت منفذاً للفقراء أو متوسطي الحال، ما عاد وهجها كما كان سابقاً، إذ إن هذه الأيام غير “آمنة” على حد تعبير كريستين(متن)، التي فضّلت أن تستشير أخصائياً لتغيّر محوّل مياه، كلّفتها عمليّة تصليحه مئة دولار بالفريش كمرحلة أولى متأمّلة اقتصار كلفة التصليح على هذا المبلغ، دون أن تركن لخيار الاوزاعي متخوّفة أن تدفع ثمن القطعة مرتين. تخبر كيف أننا مضطرون في هذه الأيّام إلى “أن نسكّج” ونصلّح، ليكون التجديد آخر الحلول، فأرخص احتمال بحالة محوّل المياه، هو كوري الصنع ويناهز الـ250 دولاراً، أي قرابة السبعة ملايين ليرة منذ أسبوعين على سعر الصرف 30 ألف ليرة.
التصليح مكلف أيضاً
هذا الكابوس منتشر بين البيوت، مع ارتفاع سعر الصرف. على سبيل المثال إن تعطل التلفاز، كما حدث مع سهام، فأي قطعة منه لن تكون أقل من مئة دولار عدّاً ونقداً، فالقطع الكهربائية كلّها، حتى لو كانت في إطار التصحيح، بالدولار. هذه الأسعار النار دفعت شفيق (كسروان) إلى البحث عبر فيسبوك عن غسالة كهربائية مستعملة. يخبر “نداء الوطن” أنه بدأ بحثه عبر فيسبوك، ووقع على أحد التطبيقات التي تتداول سلعاً مستعملة فحمّله وطلب القطعة. يصفها بأنها ليست من أفضل العلامات التجارية، ولا تعمل كما يجب مئة في المئة، لكن سعرها يناهز المليون ليرة، ومقارنة بأسعار السوق تلّبي زوجته لغسل الملابس.
ماذا عن الذين هم بحاجة إلى “يو بي أس”؟ هنا الصرخة، إذ إن ذاك الجهاز الذي يضيء محلاً صغيراً لبضع ساعات سعره 13 مليون ليرة، أما آلة مدّ الكهرباء فقط لتأمين الإنترنت، وهي آلة بحجم اليد، تركية الصنع فيصل سعرها إلى 600 ألف ليرة عبر تطبيق “إشتري” إن أراد الزبون طلبها أونلاين. أسعار نار
جالت “نداء الوطن” بين محلات بيع الأدوات الكهربائية في المتن، كسروان وجبيل، ودقّقت في الأسعار فوجدت أنه في أحد المحال الغسالة بمواصفات عادية، وصناعة صينية تتراوح بين المئتي دولار فريش إلى الثلاثمئة، أما العلامات المعروفة فليست أقل من 500 دولار لتصل أسعار البرّادات إلى الـ4000 دولار. هكذا يكثر أصحاب المتاجر من البضاعة الصينية والكورية مستهدفين “السوق الشعبية”، التي ما عادت شعبية، مع توجّه كل الطبقة الوسطى إلى شراء هذه المنتجات. ويتوقّع زياد (صاحب محل أدوات كهربائية في كسروان) ارتفاعاً إضافياً في الأسعار قريباً لسببين: فأولاً البضاعة التي كان يملكها التاجر من أيام سعر الصرف الرسمي أو عندما بدأ التلاعب على مستويات منخفضة ما عادت متوفرة لديه، وهذا ما مكّن عدداً كبيراً من التجار الإبقاء على أسعار البضاعة تحت سقف معيّن. أما السبب الثاني فهو الضرائب المتوقعة وتكلفة الشحن. يرفض هذا التاجر كما غيره تقاضي فواتير الأدوات الكهربائية إلا بالدولار، و”التقريش” على الزبون بحسب سعر الصرف اليومي. كما توقفوا نهائيا عن التقسيط فأصحاب المحلات لا يضمنون غد أيّ زبون وحالته المادية.
مهنة التصليح تزدهر
وطأة الأسعار والاتجاه نحو التصليح دفع “نداء الوطن” إلى الاستفهام من العاملين في مجال تصليح الأدوات الكهربائية عن أحوال المهنة التي أصبحت حاجة ماسة للبنانيين في ظل غلاء الأسعار الفاحش. وصف شربل ( يصلح أدوات كهربائية في محيط كسروان) الوضع بأنه مرتبط بالدولار، ليكون على حدّ تعبيره “هو شخصيا بجسده باللبناني”، أي أن ما يتقاضاه بدل أتعابه هو بالليرة اللبنانية وما يعادل 250 ألف ليرة. يوضح أن هذا المبلغ لا يغطي حتى بدل النقل، واستهلاكه معداته، باعتبار أن لا نقابة، ولا إطار عمل لهذه المهنة بالتالي لا ضمان لتكون بذلك الأضرار الصحية أيضا على عاتقه. ظروف العمل هذه المنفصلة عن قانون العمل، وأي إطار قانوني ينظمها، تقابلها حركة غير متوقفة فعلى حد تعبيره “العالم بتفضل تدفع مية دولار نقداً ولا ترمي المأكولات في البراد التي تساوي أكثر بكثير”.
هذه الظروف التعجيزية لمهنة مطلوبة في سوق العمل تصعّب التسعير على ماريو، القاطن في المتن، ويتنقل بين نقاط جبيل وكسروان والمتن، مؤكداً أنّه أحياناً يقع هو وصاحب المنزل الذي يزوره بخسارة، فيخبر كيف أنه يومياً يزور منازل، وبعد عملية تخمين العطل يكتشف أنه ليس بمقدور الزبون تأمين الكلفة فيدفع ثمن الكشفية من جيبه. توقف ماريو عن تخزين قطع غيار بسبب سعر الصرف، دون أن يحدد للزبون مسبقًا كم سيتقاضى فتنظيف “الفلتر” ليس كفكّ وتركيب كلّ الآلة. هذا الوضع معمّم بين “المعلمين”، كما ينادون أنفسهم، فريمون، الذي درس أيام الحرب الأهلية هندسة كهربائية في معهد، وتدرب بعدها عند “معلّم”، أي رجل مع خبرة في تصليح الأدوات الكهربائية، هو رقم صعب اليوم لأن المهنة رائجة جدًا فلا يأخذ منها قسط راحة.
عادت “نداء الوطن” إلى الجذر الذي ينطلق منه بعض “المعلمين”، أي المعاهد الشرعية، باعتبار أن عدداً كبيراً منهم امتهن هذه الصنعة عن خبرة، لتكتشف أن وزارة التربية لم تحدد في المناهج المتعلقة بهندسة الكهرباء أو الإلكترونيات ما يتعلق بتصليح أدوات كهربائية بشكل واضح وصريح، لكن أحد الدكاترة في أحد المعاهد أكد أنّه يمكن لطالب المعهد بعد أن يتدرج مع “معلم” مع خبرة أن يسبقه. ووجدت “نداء الوطن” أن مؤسسة المخزومي من المؤسسات القليلة، التي تعمل على تأهيل الطلاب بشكل مباشر على هذه المهنة غير أنها ليست معهدًا ولا يوجد طلاب بسبب غلاء المعدات الكهربائية التي سيدفع ثمنها الطالب.
يؤكد د. الالكترونيات من جامعة برادفورد في بريطانيا عادل دعبول ان جميع أنواع التصليحات للإلكترونيات أو الأدوات الكهربائية لا تتطلب أن يكون مهندساً وخريجاً جامعياً في الإلكترونيات أو الكهرباء أو الميكانيك، كما أن الشهادات الجامعية لا تحضّر الطلاب والطالبات لمثل هذه الأمور. بنظره الذين يدرسون شهادة الامتياز الفني TS في التدفئة والتبريد أو غيرها من التخصّصات كالإلكترونيك والكهرباء هم من يؤهلون هذه الأعمال وهذه الإختصاصات موجودة في لبنان وتحتاج إلى دراسة سنتين بعد البكالوريا القسم الثاني أو البكالوريا الفنية. فهل مسؤولية تنظيم سوق العمل وتوجيه الطلاب تقع على عاتق وزارة التربية التي لا تمتلك أي ميزانية لدفع رواتب الأساتذة في بعض الأحيان أم مخاطرة على عاتق المعاهد لتقفز فوق حَرفيّة البرنامج؟
المصدر : نداء الوطن