لبنان

إبادة جماعيّة: من لم يقتله المرض يموت من انقطاع العلاج!

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

وقع آلاف مرضى السرطان ضحية «مكيدة» رفع الدعم. فتقنين الدواء، وتركهم معلقين بين الموت والحياة، يسهل الإنقضاض في المرحلة اللاحقة على الأدوية المزمنة. الضغط سيستمر إلى أن يصبح تحرير أسعار ما تبقى من أدوية من أجل ضمان توفير علاجات السرطان أمراً مقبولاً، لا بل مطلوباً، مهما كانت الزيادات التي ستلحقها.

إنها الخطة المحكمة نفسها ذات المراحل الأربع التي تسبق رفع الدعم؛ يتوقف مصرف لبنان عن فتح الاعتمادات، تنقطع المادة من الأسواق، يتحول الحصول عليها إلى السوق السوداء بأسعار تفوق بأضعاف سعرها من دون دعم. وعندها، لا يتقبل المواطن رفع الدعم فحسب، بل يصبح هو من أشد مؤيديه ويطالب به.

الانقضاض على دعم الأدوية

الأمر نفسه ينسحب اليوم على ما تبقى من الأدوية المدعومة. فخطة ترشيد الدعم عن الدواء التي أبصرت النور في تشرين الثاني من العام 2021 أبقت الدعم الكامل على أدوية الأمراض المزمنة (سكري، ضغط، قلب..)، والمستعصية (تصلب لويحي..) و الهيموفيليا، والسرطان. وقد خصصت لها جميعاً مبلغاً بقيمة 25 مليون دولار شهرياً. المشكلة أن هذا المبلغ لا يكفي لتأمين العلاجات المطلوبة للامراض المستهدفة. وهو بالكاد يكفي مرضى السرطان، الذين يقدر عددهم بحسب احصاءات منظمة الصحة العالمية بـ «30 ألف مريض»، وبكلفة تصل إلى 30 مليون دولار شهرياً. وعليه يتوقع رئيس «الهيئة الوطنية الصحية – الصحة حق وكرامة» النائب السابق د. اسماعيل سكرية استخدام «دعم أدوية السرطان منصة للإنقضاض على الدعم النسبي لأدوية الأمراض المزمنة، والاطاحة بها وتحرير الأسعار والتحليق بها». بما يعني رفع الدعم كلياً أو جزئياً عن الأمراض المزمنة. وفي حال تحقق هذا التوقع «سترتفع أسعارها أكثر من 10 مرات»، بحسب سكرية. و»يصبح من المستحيل على شرائح واسعة من المجتمع تأمينها. فتترك لتلاقي مصيرها بالموت المحتوم، فيما يتوجه البقية من الميسورين إلى اسواق السوق السوداء في تركيا، والتي باتت تمارس اقتناص الفرصة والابتزاز بأسعارها أو لتسلّلٍ لا يزال خجولاً لأدوية مجهولة التركيب».

بملايين الليرات

بالأرقام فان «دواء مسعر بـ 312 ألف ليرة سيتجاوز سعره الـ 6 ملايين ليرة في حال تسعيره على سعر صرف السوق»، تقول الدكتورة الصيدلانية منار أنيس موسى. و»مثله الكثير من أصناف الأدوية السرطانية تحديداً. ذلك أن الكثير من أدوية الامراض المزمنة الاخرى للقلب والسكري والضغط… قد خفض الدعم عليها بنسب مختلفة.

إبادة جماعية

مشكلة الحلول المعتمدة من وزارة الصحة ومصرف لبنان تفوق خطورتها المفاضلة بين فئة وأخرى من المرضى، لتصل إلى عجزها عن تحقيق العدالة مهما فعلت. وحتى لو خصص كامل مبلغ الدعم للأمراض السرطانية فالمشكلة لن تحل. فهناك 445 دواء للسرطان في لبنان يتأثر وصولها بتوقيت فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان. فالموافقة على استيراد الدواء تعطى متأخرة وبعدما يكون الدواء قد نفد من الاسواق. مع العلم أن «وصول الكثير من الادوية يتطلب نحو شهر و 10 أيام بعد اعطاء الموافقة، لان الأدوية لا تكون متوفرة في المستودعات إنما تطبخ فور طلبها وترسل»، يقول رئيس جمعية لدعم مرضى السرطان هاني نصار. وهذا ما يؤدي إلى «مجزرة» بحق المرضى الذين يتوقف انتشار المرض في أجسامهم من عدمه على توفر الدواء فقط. فما يحصل هو إبادة جماعية لآلف المرضى نتيجة عدم وصول الأدوية بالتوقيت المطلوب. وهذا ما نلمسة اليوم مع دويَي لسرطان البروستات المفقودين، فاعطاء الموافقة لاستيراد واحد فقط لن يكفي المرضى وسيؤدي إلى عدم تناوله من قبل أكثرية المرضى.

من جهة أخرى ان «تأمين الأدوية من قبل وزارة الصحة كل شهر بشهره بحسب الموازنة الموضوعة ليس حلاً مستداماً للعلاجات»، برأي نصار. فـ»الادوية تنفد يوم وصولها. وهي توزع من قبل وزارة الصحة بحسب المحسوبيات، ولا يتبقى للاكثرية أي دواء يؤخذ. وهذا ما حصل أخيراً مع دواء لم يعلم حتى وكيل الشركة المنتجة «بفايزر» أنه وصل إلى لبنان».

اقتراحات عملية

هذا الواقع الميؤوس منه الذي يتطلب من وجهة نظر سكرية «قبع كل هذه السلطة السياسية والنقدية، لتعمدها تكبير الأزمة ككرة الثلج منذ عشرات السنوات بالتعاون مع شركائها الدوليين»، يمكن التخفيف من حدته باتخاذ بعض الاجراءات. فـ»تخصيص موازنة سنوية لاستيراد الأمراض السرطانية لمدة عام كامل من دون أن تسلم الأدوية للسوق للحد من الاستهلاك المفرط أو التهريب»، قد يكون حلاً يضمن عدم انقطاع الأدوية، ولا سيما السرطانية منها»، برأي هاني نصار. «إذ من المهم خلق آلية علمية توفر الأدوية بشكل دوري من دون انقطاع. من جهة أخرى فان «دعم تصنيع أدوية الأمراض المزمنة محلياً من أجل تخفيض فاتورة استيرادها يوفر مبالغ لدعم الأدوية الأساسية التي يعني انقطاعها وفاة المريض».

في الوقت الذي تنادي فيه جهات محلية بالبحث عن دعم دولي لتأمين الأدوية يرى سكرية أنه» لم نصل إلى ما نحن عليه إلا بسبب الشحاذة. فمن بعد ما دمرنا البلد وما فيه نتجه إلى المزيد من الاستعطاء ورهن البلد إلى الخارج في حين أن الحل يكمن في تغيير هذه الطبقة السياسية».

مقالات ذات صلة