ماذا وراء قتل الطبيب إيلي جاسر؟
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
بكت أبلح وزحلة والبقاع وكل لبنان عليه. ليس فقط لأنه شاب وأب لطفلٍ (9 أشهر) اسمه على اسم أبيه ميشال، وليس لأنه زوج وابن وشقيق وصديق بل لأنه بموتِهِ، بأسلوب موته، دلالة جديدة على أننا في بلدٍ «الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود».
هو شابٌ بقاعي، ولد وكبر وأسّس وقُتل في أبلح وهو بعد في الثلاثين. وكل من رأى ابتسامته بكاه. وكل من سمع سبب قتله «لعن» وشتم وذرف دمعا كثيراً على حاله أولاًً ثم على طبيب الأسنان القتيل إيلي جاسر. كلامٌ كثير سرى عن سبب قد يدفع بشخصٍ (بقاتل) أن يطعن طبيباً حتى الموت. فهل في الأمرِ سرّ؟ هل هناك أسرار؟ هل كان على معرفة سابقة به؟ هل صحيح أن الطبيب أخطأ في علاج أسنان خطيبة القاتل فأرداه بسبع أو ثماني طعنات؟ كل الأجوبة لن تعالج الندبات العميقة التي أنتجتها سكين المجرم (إبن أبلح أيضاً) أسعد فهد في جسد الدكتور إيلي. عائلة القاتل تبرأت منه وهي التي لها علاقات عائلية وجوارية مع عائلة القتيل. فكلاهما من أبلح مع فارق أن الجميع هناك يُحبون الرجل البشوش، الدكتور إيلي، ولا يحبون «قساوة» القاتل، العسكري أسعد.
ماذا حصل ظهر الثلاثاء في الأول من شباط؟ يتحدث قريب عائلة جاسر عن بعض ما حصل في ذاك اليوم «إتصل القاتل بالسكرتيرة في العيادة وطلب منها موعداً قائلا إنه أخذ «مأذونية» ويريد أن يأتي ظهراً. أجابته «المواعيد مفولة» يوم الثلاثاء ويمكنك المجيء الأربعاء إذا أردت. ويوم الثلاثاء إتصلت مريضة بالعيادة وطلبت تأجيل موعدها الى وقت آخر. فاتصلت السكرتيرة بأسعد فهد وقالت له: أصبح لدينا وقت متاح إذا أردت المجيء. نحو الساعة الثانية بعد الظهر، وصل القاتل الى العيادة الواقعة على الطريق العام، جانب حاجز الجيش في ابلح، سنتر سيدار، بلوك ب. دخل من دون أن يتفوه بكلمة الى السكرتيرة. فتح باب العيادة بقوة وكان الطبيب واقفاً، يتكلم هاتفياً، ووجهه نحو الشباك، وما إن استدار حتى صفعه بقوة. قال له الطبيب: ماذا تفعل؟ لم يجبه بل أخرج من جيب سترته سكيناً حربياً، دلّ على نوعه عمق الجروح التي أحدثها وبعضها يزيد عن 15 سنتمترا، وراح يطعنه في جسده، في خصره، ما جعل إيلي ينهار لكنه استمرّ يحاول الهروب من أمامه، لكنه عاد وفقد توازنه وسقط أرضا. حينها انقضّ عليه مجدداً بثماني طعنات في الرئتين وعلى الخصر والى جانب الكلية وفي الرأس واليد. وهذا ما جعله ينزف كثيراً.
ماذا عن السكرتيرة؟ ماذا حصل معها؟ يجيب قريب القتيل «هرولت نحو حاجز الجيش طالبة المساعدة وهي أكدت أن خطيبة القاتل، التي تذرع أنه أتى لينتقم إعتراضاً على نتيجة علاج أسنان خطيبته لا يمكن أن يكون صحيحا لأن «الحكيم» إنتهى من علاج أسنانها منذ عام ونصف. غريبٌ بالفعل ما حدث. والأغرب أن القاتل تجرأ بدم بارد على القتل والمغادرة في مكان بالكاد يبعد أمتارا قليلة عن عيادة القتيل. في كل حال، قيل أن خطيبة القاتل فيليبينية لا لبنانية وتملك محل «سوشي» في الجوار.
إبتسامة إيلي لم تكن تفارقه. كان شابا يحلم بغده، بطفله الذي يكبر أمام عينيه، بزوجته جويل المرّ التي أحبته وأحبها «فوق العادة» وتعاهدا على البقاء سويا في السراء وفي الضراء طوال العمر.
إيلي جاسر، بحسب زميله في جامعة القديس يوسف في بيروت طبيب الأسنان الدكتور ألكسندر قندلفت، كان بارعاً جداً. كان متميزاً دائماً في الدراسة. كان من بين الأوائل وخدوماً وكريماً. تخرجنا في العام 2013 وهو أبى ترك بلدته أبلح يوماً إلا من أجل الدراسة في بيروت. وقرر إفتتاح عيادته هناك. ويعشق الزراعة والتعامل مع الأرض. يضيف: أمضينا تسع سنوات دراسية معاً. ويوم قررتُ أنا إقفال عيادتي في طرابلس والمغادرة الى أوروبا أكد هو أنه سيصمد أطول فترة ممكنة في لبنان. لبنان روحه. وأتذكر جيداً أن والده رفض دخوله الى السلك العسكري، وهو ما أراده إيلي في البداية، قائلا له: «في طب الأسنان تكون أكثر أمانا». ويستطرد الدكتور ألكسندر بالقول «نحن من تخرجنا معاً في العام 2013 لدينا مجموعة واتساب تجمعنا تحدثنا فيها طوال اليوم عن إيلي والتقى الجميع على الكلام عن صفاته وهو كان «الأكثر شطارة» بيننا. وكلنا استغربنا أن يقال أن «شغله» لم يعجب القاتل».
أبلح ذرفت دمعاً كثيراً. هي خسرت ابنها. أبو إيلي (وهو مؤهل أول متقاعد في الأمن العام) وأم إيلي خسرا إيلي فماذا سينفعهما بعد؟ أما القاتل فهو في قبضة «العدالة المبدئية»، فقد تمّ إلقاء القبض عليه بعد خروجه من مبنى العيادة وتوجهه الى منزله وجلوسه لتناول الطعام وكأن شيئا لم يحصل. وحين وصلت عناصر فرع المعلومات الى منزله حاول الإنكار. وهو الآن في الشرطة العسكرية في أبلح.
ماذا بعد؟ أحد أطباء الأسنان قال وهو يتابع عن بُعد تفاصيل قتل إيلي جاسر: «بعد هذه الحادثة إذا أتاني عرض عمل صناعة كريب في سريلانكا سأغادر». تعب الشباب. تعب اللبنانيون. أهل البلد مشاريع موتى كل يوم ولحظة؟