بابان أمام لبنان للخروج من جهنّم
كتب رفيق خوري في “نداء الوطن”:
لا مواعيد دستورية ثابتة ولا وعود مضمونة في جمهورية اللّايقين التي انتهى إليها لبنان. وعلى مسافة شتاء إلى ربيع الإنتخابات النيابية، وصيف إلى خريف الإنتخابات الرئاسية، لا يزال الحديث عنها يلازمه استدراك: إذا أُجريت. والمسرح مملوء بالخائفين من الإنتخابات والمصرّين على التخويف منها والتيئيس من الرهانات على أيّ تغيير فيها. فمن السهل إثارة كل أنواع الأسباب والعراقيل السياسية والأمنية والمالية واللوجستية التي تبرر التأجيل. لكن من الصعب تجاهل العزلة والعقوبات العربية والدولية التي سيتم فرضها على لبنان، إن لم يجرِ الإنتخابات، كما الحاجة الى تجديد التفويض الشعبي، ولو عادت الأكثرية الحالية نفسها. ولا أحد يستطيع تجميد لبنان لأنه خائف من التغيير أو لأنه يهدد بقوة السلاح لتعطيل المفعول الديمقراطي لأي تغيير.
ذلك أن المحكوم بالإقامة في جهنم “محكوم” بقوة الأشياء، بالعمل على الخروج منها. لا كخيار بل كضرورة. والفرصة مفتوحة للخروج من بابين: باب التعافي المالي والإقتصادي من خلال الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وما يفتحه من أبواب عربية ودولية. وباب التعافي السياسي عبر الإنتخابات النيابية والرئاسية. وكل كلام على التمديد هو أحلام يقظة وحكم بتمديد الإقامة في جهنم. ومن الوهم استمرار ذلك، برغم الرهان على حال اليأس والبؤس وتعب اللبنانيين بما يدفعهم إلى التسليم بأي شيء خوفاً من الفراغ والفوضى، ولو بتكريس الفراغ الحالي في الوظيفة الأساسية للسلطة.
والوهم الأكبر هو دفع اللبنانيين إلى التكيف مع ما تفرضه القوة واعتبار لبنان مجرّد مساحة جغرافية للإيجار والإعارة والتملك والنقل من خانة “البلد-الرسالة” إلى خانة “القاعدة” على المتوسط لمشروع إقليمي معاكس للعالم العربي. صحيح أنّ الرهان معلن على القوة وصفقة إقليمية – دولية تعيد ما فعله الرئيس باراك أوباما عام 2015 بإطلاق يد إيران في المنطقة، مقابل رهان معاكس على وقف ما تسمّيه إدارة الرئيس جو بايدن “السلوك المزعزع للإستقرار” في المنطقة. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ التحولات والتطورات الشرق أوسطية ليست سريعة ولا في اتجاه واحد، ولا لمصلحة لاعب واحد. فلا العرب صاروا من التاريخ. ولا الغرب الأميركي والأوروبي خرج من التاريخ. لا ما يهم الشرق الروسي والصيني هو فقط الجغرافيا والعلاقات التجارية والإقتصادية، وقد أصبحت روسيا جارة لبنان في سوريا. ولا موقع لبنان في اللعبة الجيوسياسية متروك لمن يستطيع التحكم به.
والواقع أن ما يطلبه العرب والعالم من لبنان وله هو العودة إلى الجذور والأصل والدور الطبيعي الطليعي في الثقافة والفكر والأدب والموسيقى والإقتصاد. وهذا واجبه ودوره أصلاً. وليس من مصلحته “تكسير الأواني” مع الأشقاء والأصدقاء لخدمة “محور ممانعة” يبحث عن صفقة مع الغرب.
كان الأمين العام داغ همرشولد يقول: “مهمة الأمم المتحدة ليست إيصال العالم إلى الجنة بل إنقاذه من الجحيم”. وهذه هي المهمة العاجلة والملحة في لبنان اليوم.