لبنان

“تعفُّفٌ مثيرٌ للدهشة”.. بين “قناعة” أديب و”أطماع” السياسيّين!

بهدوءٍ وثقة، عبّر رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب عن “ارتياحه” لحصيلة الاستشارات التي أجراها خلال اليومين الماضييْن، والتي ولّدت لديه، كما قال بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، “قناعة ورغبة” بتشكيل حكومة “أخصائيّين”، قوامها فريق عمل متجانس.

قد تكون “الخلاصة” التي توصّل إليها الرئيس المكلَّف طبيعية وبديهية، فهو لم يسمع من الكتل النيابية التي التقاها في عين التينة قبل يومين، سوى عبارات “التسهيل والتيسير”، بل إنّها بكاملها اتفقت على عدم وجود أيّ “مطالب” خاصة، أو “شروط” لديها، لدعم الحكومة.

بيد أنّ “تعفّف” القوى السياسية هذا، وبهذه الوتيرة المُبالَغ بها شكلاً ومضموناً، غير مُطمئِن، برأي كثيرين، إذ إنّه لا يعبّر عن “واقع الأمر”، إلا إذا “انقلبت” هذه الأطراف على نفسها، وهو أمرٌ ليس مُستبعَداً فحسب، بل مستحيل قبل كلّ شيء…
“دهشة”… تتبدّد سريعاً!
أن يقول رئيس تكتل “لبنان القوي” الوزير السابق جبران باسيل، مثلاً، بعد لقائه الرئيس المكلَّف، إنّ “لا مطالب لنا ولا شروط، وكلّ ما نريده النجاح في تنفيذ قرارات الإصلاح”، بل “أننا نقبل بكلّ ما يتفق عليه الآخرون”، لأمرٌ أثار في نفوس البعض، خصوصاً من خصوم الرجل و”العهد”، الكثير من “الدهشة”.

ولعلّ “الدهشة” تتضاعف مع الالتفات إلى مواقف جميع الكتل النيابية من دون استثناء، والتي بدت “منفتحة” على كلّ الطروحات والخيارات، و”متعفّفة” أكثر من “اللزوم”، وكأنّ “الوحي” هبط عليها فجأة، وقرّرت التنازل عن كلّ “أطماعها” المُعتادة في السلطة، ولم تعد تكترث سوى لضرورة تشكيل حكومة “منتجة” تنفذ الإصلاحات “العالقة” منذ سنوات، والتي “منعت” القوى السياسية نفسها، للمفارقة، إطلاق ورشة تنفيذها.

بيد أنّ هذه “الدهشة” تتبدّد سريعاً، مع انطلاق “التسريبات” الصحافية وغير الصحافية حول مضمون المشاورات التي تجري “خلف الكواليس”، والتي تعكس الصورة الحقيقيّة، وإن كانت تقع كثيراً في “أفخاخ” عدم الدقّة. وتُظهِر هذه التسريبات مساحات شاسعة من “التباينات”، تبدأ من شكل الحكومة، بوجود من يصرّ على تطعيم “الاختصاصيّين” فيها بـ “المسيَّسين”، وتمرّ بحجمها، لتصل إلى نوعها، وكيفيّة توزيع الحقائب.

“محاصصة”… ولكن!
من هنا، وعلى رغم المواقف المفرطة في الإيجابية التي ظهرت بعد الاستشارات النيابية، فإنّ الخوف من “شياطين التفاصيل” يبدو أكثر من “مشروع”، في ضوء التجربة أولاً، وفي ضوء ما بدأ يتسرّب أصلاً عن تبايناتٍ، قد لا تنجح في تحقيق “الوعد” بتشكيل الحكومة في فترةٍ “قياسيّة”، كما يطمح المعنيّون.

ولعلّ الحديث عن “المداورة” وحده كافٍ لـ “فرملة” الكثير من المحرّكات، فإذا كان باسيل أول من طرحها، “من دون شروط” كما قال، فإنّ “عوائق” بدأت بالظهور، عبر مسارعة أوساط حركة “أمل” لتأكيد “استثناء” حقيبة المال من أيّ مداورةٍ، حفظاً لـ “ميثاقيّة” التوقيع الشيعيّ، في مقابل اعتبار أوساط “الوطني الحر” أنّ أيّ مداورةٍ لا يمكن أن تكون “نسبيّة”، ويفترض أن تشمل الجميع.

وإذا كان لافتاً أنّ الرئيس المكلّف لم يأتِ على ذكر “المداورة”، تفادياً ربما لإلزام نفسه بأيّ موقفٍ سلفاً، تماماً كما رفض الحديث عن “مهلة” للتشكيل، حاول البعض جرّه إليها، فإنّ “المتفائلين” يؤكدون أنّ كلّ التباينات التي يتمّ الحديث عنها تبقى “مضخَّمة”، وأنّ التأليف لن يكون “متعثّراً”، ليس بسبب “تعفّفٍ مزيَّف” يُظهِره السياسيّون، ولكن بفضل الرهان على “المبادرة الفرنسية” أولاً وأخيراً.

الرهان على “المبادرة الفرنسية” إذاً، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان واضحاً، و”ترف” الوقت لن يُمنَح لأحد، والحكومة هذه المرّة لا يمكن أن تنتظر إلى ما شاء الله “كرمى لعيون” مستوزِرٍ من هنا أو هناك. رغم ذلك، ثمّة من يخشى من “الأطماع” المبيّتة، والتي يكمن فيها “الشيطان الأكبر”!

lebanon24

مقالات ذات صلة