لبنان

عن الحلم الذي تحقّق في لبنان: “رجْعونا”

كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:

وحدنا في لبنان ننظرُ إلى الماضي بحسرة.. على عكس شعوبِ الأرض. وحدنا نتحسّر على عزّ لم يعمّر… وعلى أيام مَضَت عرفنا فيها كلّ ما تشتهيه الدولُ لشعوبها. يُقال إنّ ما أوقعنا في “سابع جهنّم” لم يحصَل بالصّدفة ونتيجة حروب الآخرين على أرضنا… ولا هي “عينٌ” أصابت “لؤلؤة الشرق” في الستّينات، بل “قلوب مليانة”.

صُوَر الستّينات وأوائل السبعينات في لبنان مؤلمة بروعتها وفرحها وانفتاحها… حتى من منّا لم يَعِش تلك الحقبة الألماسية من تاريخ لبنان يشعر بشيء ما يعتصرهُ متى شاهدَ صورًا أو سمعَ قصصًا عمّا كانت عليه هذه الأرض. فكيفَ تدحرجنا من القمّة إلى أسفلِ القعر؟

في تلك الفترة كان التعليم في لبنان يرقى إلى مستوى العالمية، كانت مدارسنا وجامعاتنا العريقة مغناطيسًا لطلابِ العلم والتميّز، أما اليوم فهجرةُ الدكاترة والاساتذة باتت تتهدّدُ المستوى التعليميّ في البلاد، حتى أصبحنا على مشارفِ كارثةٍ تربوية ستكون على الأرجح نكستنا الأكبر للأعوامِ المقبلة.

كما التعليم كذلك الثقافة، في عزّهما كما في كبوتهما. في الستينات، كانت الاوركسترا الوطنّية تعزفُ مؤلّفاتٍ سمفونية لبنانية، وكان مهرجان “وودستوك بيروت الدولي” للموسيقى الغربية حدثًا مميزًا على غرار النسخةِ البريطانية، وقد أُشركت فيهِ فرقٌ لبنانية كي تعزف قطعًا غربيّة ويرى العالمُ أجمع أن موسيقيّي لبنان قد يتفوّقون على الأوروبيّين.

يُقال إن التقويمَ الأبهى للدول يحتاجُ فقط نظرةً إلى ما يحصلُ في إداراتها العامة…. في الستّينات، كان يُضرب المثل بالإدارة العامة في لبنان، فكانت منتجةً ومنتظمةً بفعل الرّقابة التي كانت تخضعُ لها، اما اليوم فحدّث ولا حرج عن الفساد الذي شُرّعت له كلّ الأبواب… حتى باتت إداراتنا مرآةً للواقع المزري في البلاد، نتيجة الزبائنية السياسية والمحاصصات والتوظيفاتِ العشوائية.

أمّا ذهبُ لبنان الصافي في تلك الفترة فكان السياحة، التي كانت تُحاط بكلّ الاهتمام اللازم، لدرجة أن كلّ الاختلافات والخلافات السياسية كانت توضعُ جانبا، حتى أنه كانت تقام حملات واسعة في المناطق التي تشهد تفلّتا أمنيًا من أجل توقيف المطلوبين وإرساء الأمن قبيل موسم الاصطياف. كان لبنانُ شاغلَ الدنيا بالموضة والجمال والتطوّر والانفتاح، كان شغلنا الشاغل منافسةُ دول العالم، وعيشُ الحلم الأجمل، في البلد الأجمل.

الفارق كبيرٌ كبير اليوم، فمؤسّساتنا وقطاعاتنا في موت سريريّ، باتَ حُلمنا الطبابة والتعليم والكهرباء… السياحة وأخواتها في أسفل الأولويّات، فعَينُنا على تحرير بلدان أخرى والانحدار إلى محاورَ لا تشبهُ ثقافتنا ولا تاريخنا، ولا التطوّر بشيء… فأرجوكم، أعيدونا إلى الوراء، لا إلى قذارة سياسات عاقرة لا تولّد إلا رجعيّة وانعزالا، بل إلى ماضينا الجميل… يوم كان لبنان أولا وأخيرا، ويوم كان الحلم والحقيقة واحدا.

مقالات ذات صلة