لبنان

المقاصة العالمية بين حزب الله وواشنطن… بين التنفيذ والاستحالة

تستمر الخزانة الأميركية في إعطاء الأولوية للضغط على حزب الله عبر تصنيف بعض قادته على لائحة الإرهاب وفرض العقوبات عليهم، وأعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر بعد ساعات من تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة المرتقبة “أننا سنواصل فرض العقوبات على حزب الله وحلفائه اللبنانيين والمتورطين في الفساد”.

يأتي ذلك عقب فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عضوين في المجلس المركزي لحزب الله حسن بغدادي ونبيل قاووق بذريعة أن كبار قادة حزب الله مسؤولون عن إنشاء وتنفيذ أجندة المنظمة الإرهابية المزعزعة للاستقرار، والمسؤولة عن العنف ضد مصالح الولايات المتحدة وشركائنا في جميع أنحاء العالم” وفق تعبير وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، مع الاشارة في هذا السياق إلى أن شقيق الشيخ قاووق هو الدكتور جهاد قاووق، مدير مركز الجراحة الروبوتية ونائب رئيس خدمات الجراحة بعيادة “كليفلاند كلينيك” في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأميركية.

لا يخفى على أحد أن العقوبات باتت السلاح الأنجع للولايات المتحدة للاقتصاص من أي خصم سياسي، فرغم أن القوانين التي تصدرها الحكومة الأميركية تطبق على أراضيها، غير أن ولاية نيويورك كونها مركز المقاصة العالمي تجعل أي شخصية أو كيان أو مؤسسة لا يلتزم بلوائح (الاوفاك) عرضة للملاحقة من قبل وزارة الخزانة التي يمكنها أن تمنع المصرف الذي يتعامل مع هذا الكيان أو الشخصية المراسلة معه، وهذا يعني نهاية هذا المصرف كما حصل مع أحد المصارف اللبنانية في الآونة الأخيرة وبالتالي بات من الواضح أن هذه العقوبات تتداخل فيها الاعتبارات السياسية كما يحصل مع إيران وحزب الله وفق قاعدة أميركية تنص على مكافحة تبييض الأموال والإرهاب وتجارة المخدرات.
وفي هذا الاطار، لا بد من الاشارة الى القانون اللبناني الصادر عام 2001 في ما يخص مكافحة تبييض الأموال والذي تم تعديله عام 2015 ومفاده: إذا اشتبهت وزارة الخزانة الأميركية بمؤسسة او شخصية بتبييض الاموال او بتمويل الارهاب تقوم هيئة التحقيق الخاصة بالتواصل مع المصرف الذي يتعامل معه هذا الشخص أو المؤسسة وتقوم بجمع المعلومات عن نشاطه المصرفي ولا يتم إعلامه إلا بعد التحقق من تورطه وعندها يصار إلى رفع السرية المصرفية عنه وتجميد حساباته ويحال ملفه إلى النيابة العامة المالية وفقا لقانون تبييض الأموال والإرهاب اللبناني، مع الإشارة إلى أن لبنان التزم بكل القوانين المالية والمصرفية ويعتبر من أكثر الدول التزاما بتطبيق المحاذير من تبييض الأموال ونقلها عبر الحدود وتبادل المعلومات.
وعليه، يبدو أن لبنان، سوف يتأثر بالعقوبات المفروضة على حزب الله، كونه أحد أبرز المكونات اللبنانية تأثيراً في البلد؛ وبالتالي فإن القلق اللبناني سبقى مشروعا من استمرار العقوبات على حزب الله اقتصاديا وماليا، يقول المتخصص في قانون الشركات والمصارف المحامي حسين يعقوب لـ”لبنان24؛ والسؤال الجوهري هل لا يزال لبنان قادراً على تحمل المزيد من العقوبات تبعاً للمسار التدريجي الذي أعلنت عنه الحكومة الأميركية؟ الجواب لا ، يقول يعقوب؛ لأن ما يطلبه الأميركي هو المستحيل وخلفية العقوبات هي سياسية أكثر منها اقتصادية، والتجربة هي البرهان الأبرز فمدى تأثير العقوبات محدود جدا على حزب الله الذي يتجنب التعامل مع النظام المصرفي اللبناني، وأعلن مراراً وتكراراً أن أمواله تصله نقداً وينفقها بالطريقة ذاتها، في حين أن الخشية تكمن في أن تنعكس هذه العقوبات وبشكل دراماتيكي على مختلف مؤسسات لبنان المالية والمصرفية وايضا على رجال أعماله.
اذاً، وبفعل الإجراءات المفروضة، فإن العقوبات باتت قاب قوسين أو أدنى، وسوف تطال فاسدي لبنان، يقول يعقوب؛ إذ تحدثت أوساط مصرفية عن قرب صدور عقوبات نوعية على عدد من الوزراء السابقين ومسوؤلين في لبنان ورجال أعمال تتهمهم الأدارة الاميركية بالفساد واستغلال السلطة والوظيفة العامة، وبحسب المطلعين في دوائر القرار ستلقى العقوبات صدى واسعا في مجتمع السياسة والاعمال، خاصة وأن اللائحة تشمل شخصيات من انتماءات سياسية مختلفة، فبموجب قانون ماغنتسكي تشمل العقوبات مثلا تجميد أموال وحسابات مصرفية وحظر أصحابها من دخول الاراضي الاميركية.
ويذكر يعقوب أنه في تقرير سنوي صادر عن هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان المركزي، جرى الكشف عن تسجيل المئات من حالات غسيل الاموال وأكدت هيئة التحقيق أن هذه الحالات منها أجنبية وايضا محلية، هذا فضلا عن أن حاكم مصرف لبنان كان قد اتخذ سلسلة من الاجراءات للتعامل مع حزمة العقوبات السابقة وترك فيها للمصارف حق تقدير الامور واتخاذ القرارات بشأن اقفال اي حساب على مسؤوليتها الخاصة الى ان بات يعمد الى التدخل مباشرة في الية تطبيق العقوبات داخل المصارف في الاونة الاخيرة وفي اتخاذ القرارب التعامل مع اي حساب مشبوه ومرد ذلك ازدياد هذه العمليات نتيجة تلك العقوبات.
وسط ما تقدم، تلمح مصادر متابعة، إلى أن حزب الله لن يضع العصي في دواليب التفاوض مع صندوق النقد رغم ان الادارة الاميركية تسيطر على قرارات المنظمات الدولية المالية؛ ومرد ذلك تجنيب نفسه المزيد من العقوبات والضغوطات الأميركية وسوف يقدم الكثير من التسهيلات، فالعقوبات على قاووق وبغدادي، رسالة لعدم عرقلة تأليف الحكومة وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد وتذكير بالعناوين العريضة التي على الجميع الالتزام بها وعدم تخطيها وتجاوزها، وهي تتصل بأن التسهيل الاميركي لولادة الحكومة أو ما يعرف بربط النزاع لن يعفي الحزب من العقوبات. ومع ذلك، فإن الحزب، بحسب يعقوب، سوف يتعامل بحذر مع صندوق النقد فمن خبر الحزب يعلم أنه لن يرضخ لشروط صندوق النقد الدولي في حال كانت تتعارض مع مبادئه السيادية فهو لا يرفض أية مساعدة تصب لمصلحة لبنان، لكنه يرفض الاستسلام لشروط الصندوق على حد تعبير أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي ربط التفاوض مع صندوق النقد بالنقاش داخل الحكومة مطالبا الجميع بالمشاركة في هذا النقاش.
المصدر: خاص “لبنان 24”

مقالات ذات صلة