لبنان

“إجت الكهرباء… راحت الكهرباء”.. من يُعيد الـ”وات مان”؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

«إجت الكهرباء… إنقطعت الكهرباء… يقبر عيونن ما لحقوا جابوها قطعوها…» لكن، ماذا لو ما عاد هناك موظفون في محطات التحويل «يجيبوها ويقطعوها»؟ هناك، في البترون، إرتفعت في الأيام الثلاثة الماضية الأصوات عالياً بعدما شغرت محطة التحويل من «المحوّلين» ولفّت القرى في ساحل ووسط البترون العتمة الدامسة طوال 48 ساعة متواصلة. هناك، في تلك البلاد البترونية، كما في كثير من جنبات لبنان، من كانوا يؤمنون بأنه «بدل لعن الظلمة يجب إشعال شمعة» لكن حتى الشموع ذابت وانتهت!

كلما ظننا أن لا شيء بعد أسوأ، يأتي ما هو أسوأ مترافقاً مع رسم علامات استفهام على «تطورات» لا تحصل سوى في بلادنا. وكأننا محكومون بالأسوأ الدائم في بلاد «يفعل فيه الظلام والقلق والأسى والأعصاب المتوترة بنا الأفاعيل».

من أين نبدأ والظلم يلتفّ في أقصى الوراء وفي الأمام وفي الحاضر؟ فلنبدأ من صراخ أهالي البترون في كل الإتجاهات: بدنا يا ظالمين كهربا. ليسوا وحدهم بالطبع من يريدون الكهرباء والمياه والإنترنت والخبز والمازوت والدواء لكن مشكلتهم الجديدة «سخيفة» وقد لا تخطر في بال. ففي محطة التحويل هناك، المحطة المسماة باسم الريجي لوقوعها بالقرب من الريجي أربعة موظفين غادر منهم ثلاثة وبقي واحد وهم: سايد مارون من كفرعبيدا (تقاعد منذ شهر) وفادي أبي فاضل من بقسميا انتقل الى عمشيت وجورج يوسف من كور وايلي نجم من شبطين (إنتقل على ما يبدو الى محطة أخرى)، يأتي إبن كور الوحيد الصامد 24 ساعة ويغيب 24 ساعة بحسب دوام عمله يُحول الكهرباء ويغادر فتنقطع عن قرى بالكامل. الحقّ عليه؟ طبعاً لا، فهو موظف مياوم، في مؤسسة «مفلسة». هو «وات مان» يعني رجلاً يعطي «الوات» الكهربائي ليس إلا. فلنبحث إذا في لبّ المشكلة.

في زمن الإنتخابات «الموعودة» يتحدث كثيرون عن حلول لكنها مثل الكلام على لوحة ثلج يذوب بمجرد ذوبان الثلج. هذا كان في الأيام العادية فكيف في أيام اكثر سواداً من قلوب من يُمسكون بالملفات السميكة ويشدّون عليها ويمارسون كل أنواع الفساد والعبث وينتهون الى القول والجزم: القطاع في موت سريري. ونحن، من دون أن يقولوا ذلك، نعلم به. لكن، ماذا عن الساعة، الساعة الواحدة فقط، التي ينتظرها أبناء القرى التي غادر الـ»وات مان» مقرّ عمله قبل أن يحوّل إليها «الساعة»؟

دينامية في الكلام فماذا فيه؟ أحد أبناء البترون الفاعلين تدخل «للمصلحة العامة» على ما قال متحدثاً عن «إتصال مباشر مع وزير الكهرباء الذي طلب من كمال حايك الإهتمام المباشر لأن «التحويل» من صلاحية مدير عام كهرباء لبنان. وورده أن الموظفين لا يعملون كالسابق لأن معاشاتهم أصبحت قيمتها «بالأرض» وهم يهددون بالإستقالة إذا ضغطت الإدارة عليهم. والحلّ؟ بدأ الناشطون يحكون رأسهم كثيراً بحثاً عن حلول وانتهوا الى ان ذلك دور الهيئات المحلية وفي طليعتها اتحاد البلديات. فلتتدخل. هنا فكر الناشطون بتأمين المال من متبرعين يريدون ان يدعموا على ان يعطى موظفو محطات التحويل أجراً إضافياً ليأتوا الى مكان عملهم. وعلى ما يبدو أعجبت الفكرة مدير عام الكهرباء الذي أعلن عن تأمين موظفين الى محطة الكهرباء بأجرٍ إضافي من «مال المتبرعين» وبالفعل أتى موظف نهار الأحد وحوّل الكهرباء وغادر. والبارحة، منذ ساعات الصباح الأولى، ينتظر عمال شركة bus مجيء الموظف الى غرفة التحويل ليساعدهم في إجراء المناورة، من خلال إطفاء بعض المخارج التي يفترض إجراء التصليحات على خطوطها ولكن، طال الإنتظار. يعني «مكانك راوح».

هي مهمة جد بسيطة «إطفاء المخرج» و»إضاءة المخرج» لكن لا «واط مان» ينفذ العملية. فهل يعقل أن يكون العمل يدوياً في القرن الواحد والعشرين؟ سؤال طرحناه على غسان بيضون (مدير عام الإستثمار في وزارة الطاقة والمياه سابقاً) فقال: «التحويل يتمّ يدوياً وأسوأ ما يشعر به الناس هو التحايل في التحويل والتوزيع، حيث هناك من يقطعها عن مخرج ويعطيها الى مخرج، وهذا ما قد يتسبب بالإخلال بالتوازن على الشبكة وهو ما يسمى «الإظلام التام» black out. لذا يفترض وجود أشخاص «وات مان» في المحطات لكن كثراً من هؤلاء «فلوا». المحولات تضم المخارج التي من خلالها توزع المحطة الكهرباء. كل محطة تملك مخارج عدة وهناك محطات رئيسية توزع الى محطات محلية. ويستطرد المهندس غسان بيضون قائلا: كان هناك مركز للتحكم الرئيسي في تحويل الكهرباء في مبنى كهرباء لبنان في مارمخايل لكنه دمّر خلال تفجيرات مرفأ بيروت. وكان يفترض أن تكون إعادة تأهيله أولى الأولويات».

هذا ما كان يجب، لكن، الدولة «مفلسة» فقيرة معدمة؟ يجيب مدير عام الإستثمار في وزارة الطاقة سابقاً «إنهم يكذبون. فقد كان بإمكانهم إستخدام بعض المبالغ الكبيرة التي أخذوها من مصرف لبنان. كان عليهم ترتيب الأولويات لكن ما يعاني منه البلد هو أحد مظاهر سوء الإدارة. فمدير عام الكهرباء مسؤول أيضا كونه سمح طوال 19 عاماً (منذ تسلمة عام 2002) لوزراء الطاقة ومستشاري الوزراء بالتصرف كما يحلو لهم. هناك مع رئيس مجلس الإدارة المدير العام 17 مديراً في مؤسسة كهرباء لبنان جميعهم بالوكالة، وهذا معناه أنهم فئة ثالثة لا ثانية، يقبلون بما يفترض أن لا يقبلوا به ليبقوا في مواقعهم. هناك من تقصد وجودهم حتى يستطيعوا السيطرة عليهم».

نكون في مكان فنصبح في مكان وكل الأمور تصب في اتجاه واحد: سوء الإدارة. فإلى أين نحن سائرون؟ يجيب بيضون: «حين نرمي ريشة في قلب عاصفة لا نعرف في أي إتجاه تذهب. فلنقل أن أمامنا ريشة وعاصفة ورياح كما تشتهي ستقود البلاد والعباد». وماذا عن رفع التعرفة؟ «إنها عديمة الفائدة وهي لإرضاء البنك الدولي. وموضوعياً لن تنجح ودونها عقبات، لأن أي رفع للتعرفة يجب أن يراعي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والإقتصادية. فكيف يدفع من يتقاضى الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، رسم كهرباء قدره 287 ألفاً؟ رفع التعرفة ضرب من الجنون. تتصرف الدولة وكأنها تنافس «المولّد» أما المواطن فلا يفكر بهذه الطريقة. المولّد وُجد بسبب تقصير المؤسسة ووزارة الطاقة. ويستطرد بالقول: قبل العام 2019، في الأوضاع التي كانت تُعدّ هادئة نسبياً، كانت نسبة سرقات الكهرباء تزيد عن 40 في المئة. فكيف ستكون الحال بعد رفع التعرفة؟ يستطيعون «ضبضبة» القصة؟ فلماذا لم يفعلوا ذلك من قبل؟ لماذا لم يرفعوا السرقات عن الشبكة منذ عشرين عاما؟».

كلام متعدد النقاط والنتائج واحدة: إحباط. نعود الى البترون، الى «إجت الكهرباء وراحت الكهرباء». هناك من هبّ لدعم اجور موظفين إضافيين في محطة التحويل في الريجي من خلال تبرعات. لكن، من يستلمها؟ من يوزعها؟ هناك اقتراحات كثيرة من الناشطين لكن، كما يقال، حين يكثر الطباخون تحترق الطبخة. هنا، فلنسأل، هل ما يحصل طبيعي؟ فلتعلن «الدولة» اللامركزية. فلتهتم كل منطقة بحدودها وناسها مباشرة.

خبير محطات التحويل سمير باز يراقب كل ما حصل وما يحصل وما قد يحصل. فما رأيه بكل ما سمعناه من «خلل في تحويل الكهرباء» في منطقة ينتمي إليها؟ يجيب «هناك في البترون محطتا تحويل في الريجي وبقسميا. والمحطة الثانية في بقسميا جديدة «نقالة» يمكن تغيير مكانها. أما مهمة الـ»وات مان» فهي كما مهمتنا أمام جهاز «ديجنكتور» في المنزل، حين نضيء الصالون قد نُطفئ المطبخ، وحين نضيء المطبخ قد نُطفئ غرفة النوم، وهذا ما يحدث يدوياً. هذا نفسه ما يفعله موظفو محطة التحويل. وإذا احتاجت المنطقة الى تصليحات يتصل عمال Bus بالموظف المداوم ويطلبون منه إطفاء المحول. مناورة التحويل والتصليح تتم بين الجهتين. ويستطرد: كانت هناك غرفة dispatching في الطبقة الثامنة والتاسعة والعاشرة في مؤسسة كهرباء لبنان دورها «التحكم بالكهرباء» عن بعد لكنها تهدمت. كانت تضم تلك الغرفة موظفي رصد ومراقبة monitoring لكن بعد الإنفجار إنتهى دور تلك الغرفة. لهذا بدأت تزيد الإرتكابات الخاطئة في المحطات خصوصاً بعد إشتداد الأزمات الإقتصادية والمالية».

سمير باز يستغرب كل الأزمات التي تصيب القطاع الكهربائي كما سواه من القطاعات ويقول «جمهورية مصر العربية الني تزيد مساحتها عن مليون كيلومتر مربع تنتج فائضاً في إنتاج الكهرباء يتراوح بين 14 جيغا و20 جيغا، في المقابل يحتاج لبنان لتعود إليه الكهرباء الى أقل من 3 جيغا. أمر لبنان ليس عسيراً شرط توافر نوايا العمل».

موظف «وات مان» مهمته جد بسيطة، خفض الديجنكتور أو رفع الديجنكتور، لكن فعالية ما يقوم به كبيرة. ومثل هذا الموظف امثلة في كل الدولة اللبنانية اللهمّ أن يبقى فيها من هو قادر على «تحويل الديجنكتور» في الإتجاه الصحيح.
mtv

مقالات ذات صلة