هل الفقر مولّد للإرهاب؟ هل الإرهاب آتٍ؟
كتب بشير عصمت في “نداء الوطن”:
الفقر نتيجة وسبب.
حين يكون الفقر ناجماً عن سوء ادارة سياسية هل تتولد نزعات عنف جماعية حيال هذه الادارة؟
الحديث هنا لا يتوخى بناء نظرية عامة قابلة للتطبيق في كل الازمنة والامكنة، ولكن الاسترشاد بدروس التاريخ يوحي بتضافر مجموعة عوامل هي التي تستدعي الارهاب. بعدما درج على ان الارهاب هو شكل من اشكال الانحراف السلوكي وتحول الى مصطلح يوحي، بحكم قيمي، بتهمة، تتبادلها أطراف متنازعة، من يوصف بها يعتبر مدانا، هذا المصطلح وفق تعريفاته المتداولة، استخدام العنف للثأر وللغضب الجماعي لتحقيق غايات وأهداف سياسية؛ طرأت تعديلات مقابلة على المرادفات فسمي الارهاب عنفاً ثورياً حيناً وتحرراً وطنياً حيناً آخر وفي قاموس قيم آخر وتم تمجيده تحت هذين المسمّيين وليس الافتخار ببعض الايقونات والرموز الا تقديراً للتسميات الرديفة وللمضمون الآخر المقابل.
اذا كانت البيئة الفقيرة مؤاتية لنمو الحركات الارهابية، الا ان توفر مثل هذه البيئة ليس شرطاً كافياً لنشوئها ولعلها تنمو وفق شروط ليست واحدة ولا تعالج بأسلوب وحيد، لكن ما هو مؤكد كشرط هو ظلم النظام وفساده وجوره على شعبه، فإرهاب الدولة يستدعي إرهاباً مقابلاً.
إرهاب الدولة
حين يذكر ان الارهاب هو انحراف يجدر السؤال انحراف عن ماذا؟ وحين تعقد السلطات المشكو منها مؤتمرات لدراسة اساليب مكافحة الارهاب فتتبادل الخبرات وتنشئ الوحدات العسكرية، يكون ذلك من قبيل تأكيد وهم ان السلطات القائمة تمثل الصالح العام وسواء السبيل، تدعمها وجهة النظر القائلة أن العنف الممارس من الدولة لا يسمى إرهاباً، وإن كان بالإمكان تسميته بتوصيفات أخرى، كالقمع والعدوان وذلك انطلاقاً من مبدأ كون الدولة هي الممارس الشرعي الوحيد للعنف. في حين أن الواقع يشير الى ان أخطر أنواع الإرهاب هو العنف الممارس من قبل الدولة؛ لأنه عنف شرعي.
ارهاب الدولة في لبنان
قد يبدو للبعض وصف السلطات اللبنانية المخلعة بالدولة الارهابية فيه بعض التجني، ورب سائل يقول ليس لدينا دولة لتكون ارهابية وربما تمنى البعض وجود دولة ولتكن ارهابية او اي أمر آخر.
دون الذهاب الى توصيفات متسرعة في ان الدولة ارهابية كونها فاشلة طائفية ميليشيوية ومغيبة للقانون.
في سرد بسيط للوقائع يتضح مستوى سوء الادارة السياسية المحفز لقيام الجماعات الارهابية. وفي سرد ابسط يتوضح ان قوى الرد على ارهاب الدولة متوفر ايضا.
ان السياسات التي اتبعت في لبنان ما بعد الحرب والمستمرة الى اليوم والعجز عن ايجاد البديل واقتلاع الفساد كل ذلك أدى الى ازمات وجودية كبرى ومخاطر من انهيار وتحلل للكيان والقضاء على ما تبقى من هياكل مؤسسات ومواصفات دولة.
الكل يدري في اي منزلق ذهبت البلاد، لكن الى اين بعد؟
أ- فوضى حراك سكاني وانتقال من والى الريف، هجرة كثيفة بأشكالها المختلفة داخلية وخارجية، غير شرعية خاصة بما فيها المغامرة بركوب البحر.
ب- تزايد الجريمة والجريمة المنظمة وفقدان الأمن من سطو وسرقات وقتل وتعزيز مجموعات.
ج- تفاقم الامراض النفسية الاكتئاب، اليأس، الانتحار.
د- تزايد نسب التسرب المدرسي والتسول والتسول المقنع وعمالة الاطفال.
ه- بطالة، ضعف الاقبال على الزواج، تزايد الطلاق، توسع انشطة الدعارة.
و- ازدهار ظواهر الادمان بشكل واسع على المخدرات والمسكرات.
ز- تدهور اوضاع الفئات المعرضة والمعوقين وخدماتهم.
ح – تدهور الوضع البيئي والنظافة العامة والنفايات والصرف الصحي .
ي – انهيار القطاعات الانتاجية والخدماتية وانتهاء الطفرة العقارية.
ك- اقفال المحال التجارية و المؤسسات الصناعية والحرفية……
ما هو مذكور اعلاه هو غيض من فيض.
هل يخفي الخفوت انفجاراً ثورياً
غالبا ما يتم الحديث عن ضمور حركة الاعتراض، حيناً من قبيل الاتهام بتوقف الموارد عنها وحيناً بفقدان النفس الثوري او الاستعداد للانخراط في المنظومة ومن يبرر يجد ان اسلوب القمع وارهاب الدولة ومخاطر الحرب الاهلية جعلت المعترضين ينكفئون.
ليس خافياً ان انتفاضة الناس لم تكن حراكاً طبقياً ولا هي ثورة الباستيل وميزان القوى لم يكن يسمح بتغيير جذري اما وقودها الفعلي فكان من الوطنيين ومن جمهور مثقف سياسياً وطلاب جامعات ومهن حرة. ومن غير المرجح ان يكون المنتفضون قد ارخوا اسلحتهم .
تستميت السلطة وداعموها عبثا في انقاذ النظام ولا تكف القوى المتسلطة عن التساعد لاعادة انتاج نفسها، من بطاقة تمويلية ووعود معسولة وتزداد السلطة غرقاً ومعها اللبنانيون.
في هذا الاطار تكتمل صورة الآتي بناء على ما سبق: ارهاب دولة وافقار متعمد وسطو على حقوق الناس واذلالهم وخوف منهم، في المقابل مجموعات من الفقراء الغاضبين والفقراء الجدد ويأس من التغيير ومجموعات من الثوريين الرافضين لسلطة الفساد. ربما كان تعزيز النواحي الامنية هو من قبيل التحضر لمواجهة الارهابيين الفقراء المنتفضين بسبب تجويعهم وقد يكون الارهاب على شكل عصابات سطو منظمة لا اهداف سياسية كبرى لديها وربما كانت ذلك على شكل جماعات مسلحة دينية وربما كانت مجموعات منظمة بما يذكر بمجموعات السبعينات الايديولوجية، تغطي فراغ انكفاء الشارع ويأسه.
لا حلول دون تغيير
لا توجد سلة حلول جاهزة تنجي المجتمعات من الارهاب، لكن دون شك من يطلب الاستلحاق لإقامة نظام حماية إجتماعية وبطاقات اعاشة ملونة واطلاق الرشاوى والوعود قد تأخر كثيراً، كما الكابيتال كونترول ولا يعفي ذلك النظام الميليشياوي الريعي الذي عرقل اي احتراز لا يدر عليه منافع، لتفادي وقوع الكارثة الكيانية الاقتصادية الاجتماعية.