لبنان 2021: المراوحة القاتلة.. لبنان 2022: سنة “مفصلية”
كتبت “الأنباء” الكويتية:
لم يتقدم الوضع في لبنان في سنة 2021 خطوة واحدة الى الأمام، لا بل تراجع خطوات الى الوراء.
لم يتغير شيء في المعادلة وميزان القوى واقتصر الأمر على تغييرات طفيفة في مواقع وزعامات… الدولة أمعنت في هدر الفرص واضاعة الوقت، وكل النصائح والمناشدات الدولية لها باجراء اصلاحات وتحمل المسؤوليات لم تجد نفعا ولم تلق تجاوبا… سقط لبنان طوال العام في «المراوحة القاتلة» والدوران في حلقة مفرغة والانسداد السياسي والأزمات الحكومية التي تواصلت مع معارك التكليف المتعثر والتأليف الصعب.
وإذا تشكلت حكومة بشق النفس تتعطل وتشل قدراتها واجتماعاتها… حدث في هذا العام أن ضرب الاستقرار السياسي واشتدت الخلافات حتى داخل الفريق الواحد، وتطايرت شرارات المواقف والمواجهات، واحتدمت اللعبة السياسية وخرجت عن قواعدها أحيانا وانتقلت الى الشارع، لتوقظ هاجس العودة الى الحرب الأهلية.
ويمكن على المستوى السياسي، اختصار المضامين والنتائج، الملاحظات والاستنتاجات للوضع في لبنان عام 2021 في النقاط التالية:
٭ أولا: التساوي في المأزق عند كل الطوائف والجماعات والأحزاب… الكل في «حال أزمة»، وما يختلف بين طائفة وأخرى هو طبيعة الأزمة ونوعها وحجمها.
فالمسيحيون يواجهون «أزمة وجودية»، ويساورهم هذا القلق الوجودي على دورهم ومستقبلهم، وأيضا على حاضرهم الخاضع لانقسامات وخلافات داخلية تشتت قواهم وقدراتهم.
وكان البطريرك بشارة الراعي أكثر وأوضح من عبر عن هذه الأزمة عندما أشار مرارا الى لبنان الذي «بات على مشارف الزوال»، والى أن القضية التي أصبحت «قضية حياة أو موت».
ولأن الخطر كبير وللأزمة امتدادات خارجية، طرحت بكركي فكرة المؤتمر الدولي لإعلان حياد لبنان وتطبيق كل القرارات الدولية.
أما الشيعة، فإنهم يواجهون «أزمة خيارات ومشاريع» مع اقتراب لحظة القرارات الصعبة والمفصلية، ولحظة الوصول الى «مفترق طرق» حاسم بين أن يكملوا في طريق السيطرة والتباهي ب«فائض القوة» والاستقواء بالدعم الايراني، وبين أن يكيفوا مشروعهم مع الواقع اللبناني وخصوصياته وتوازناته الدقيقة وتركيبته الطائفية المجتمعية التاريخية.
واذا كان الرئيس نبيه بري يحاول تحجيم الأزمة وحصرها في النظام الطائفي، وتحجيم الحلول وحصرها في الغاء الطائفية السياسية وانشاء مجلس للشيوخ واعتماد النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة، فان حزب اله يعطي بعدا ومضمونا آخر للأزمة التي تكمن في رأيه في عدم انخراط «لبنان الرسمي» في محور المقاومة والممانعة، وفي استراتيجية «التوجه شرقا» والاستغناء عن الغرب… وثمة جانب داخلي لـ «أزمة حزب اله» يتمثل في عدم التناسب على مستويين: المستوى الأول بين مشروع الحزب والواقع اللبناني، وفي أن هذا المشروع أكبر من لبنان وطاقته على التحمل… والمستوى الثاني بين حجم الحزب على أرض الواقع والحجم المعطى له في الحكم والدولة بموجب نظام الطائف الذي تجاوزته الأحداث والمتغيرات.
وفي حين تبدو الأزمة عند الدروز، التي انكشفت أكثر هذا العام، أزمة فقدان الدور والتأثير، ويتنامى لديهم الشعور بأنهم على هامش الأحداث والقرارات الكبرى والسلطة المركزية، ويعاملون كأقليات، فإن الأزمة عند السنة هي أزمة «قيادة وخيارات».
الطائفة السنية هي أكثر الطوائف «تضررا» هذا العام الذي عاشت فيه حالة اضطراب وبلبلة وتململ.
فمن جهة عرفت شيئا من الفراغ على مستوى القيادة السياسية مع انكفاء وتخبط الرئيس سعد الحريري.
ومن جهة ثانية تعاظمت الشكوى السياسية لديها والمتركزة على أمرين: الخروقات المتمادية لدستور الطائف عبر استحداث أعراف وممارسات جديدة من شأنها أن تقوض دور وصلاحيات رئاسة الحكومة… والأمر الثاني يتعلق بهيمنة حزب اله على القرار الوطني وعلى الحكومات المتعاقبة منذ العام 2008.
٭ ثانيا: الخلافات السياسية المستشرية بين الخصوم وبين الحلفاء على حد سواء.
واذا كان فريق 14 آذار أصابه التفكك منذ أعوام وبلغ الذروة في العام 2016 (انتخاب الرئيس ميشال عون)، فإن فريق 8 آذار الذي كان بدأ يتفكك منذ ذلك العام مع وقوف بري وفرنجية ضد انتخاب عون، بلغ مرحلة متقدمة من التفكك هذا العام مع وصول الخلاف، ولأول مرة، الى «النواة الصلبة» لهذا الفريق والمتمثلة بتحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر.
هذا الخلاف الذي ظهر وتكرر في أكثر من محطة وملف هذا العام، دل الى وجود خلل أو «عطب ما» أصاب العلاقة التحالفية بين التيار والحزب، وقد يكون ناجما عن خلل في آليات التواصل والتنسيق، أو ناجما عن المتغيرات التي حصلت منذ عامين وألقت ظلالا من الشكوك حول جدوى التحالف والاستمرار فيه.
ولكن هذا الخلاف المتزايد له صلة أكيدة بطريقة إدارة الأزمة والمواجهة وبالخلاف على الأولويات، وبكيفية الاتفاق على ترتيبات المرحلة المقبلة التي تشمل الانتخابات النيابية والرئاسية، والتي يتقرر في ضوئها اما تجديد العقد التحالفي أو انهاؤه.
٭ ثالثا: «الأرصدة السياسية وحسابات الربح والخسارة».
وهنا ربما يكمن التغيير السياسي الأبرز لهذا العام الذي أصاب القوى الرئيسية اللاعبون الستة الكبار (حزب الله – التيار – أمل – المستقبل – القوات – الاشتراكي)، والذي أحدث فارقا وتبدلا في «الترتيب العام» من دون أن يصل الى حد خلط الأوراق… وليد جنبلاط عرف استقرارا في وضعه، لم يربح ولم يخسر، لم يتقدم ولم يتراجع.
سمير جعجع أحرز تقدما «في النقاط» وفي الشارع المسيحي، فيما القوى الباقية سجلت تراجعات متفاوتة في طبيعتها وأحجامها.
ويمكن اختصار كل ذلك على الشكل التالي:
– سعد الحريري هو أكبر الخاسرين في العام – 2021 بعد اخفاقه في تشكيل الحكومة والعودة الى السرايا، لينتهي به الأمر الى اخلاء الساحة للرئيس نجيب ميقاتي والى مغادرة المسرح السياسي ولو مؤقتا، ملامسا عتبة «الاعتزال والاستقالة».
فمن جهة قرر الحريري عدم الترشح للانتخابات النيابية، ولم يتخذ حتى الآن قرار خوضها من قبل تيار المستقبل وعلى أي أساس.
ومن جهة ثانية تراوده فكرة اعتزال السياسة جزئيا أو كليا لإعادة بناء وضعه الشخصي والمالي… لقد دفع الحريري ثمن أخطاء سياسية راكمها في السنوات الخمس الأخيرة، وثمن التسوية التي أبرمها مع عون وحزب الله. ويعتبر غيابه أكبر تغيير طرأ على الخارطة السياسية.
وبعدما كان الحلقة الأضعف في الحكم، فانه لا يقدم نفسه على أنه «الحلقة الأقوى» في المعارضة، وليس مستعدا أو جاهزا للعب الدور القيادي.
والنتيجة أن هناك حلقة مفقودة في معادلتي الحكم والمعارضة ناجمة عن «غياب الحريري».
ورغم كل الضعف اللاحق به، يظل غطاء ضروريا للسلطة وقراراتها (البرلمان والحكومة)، ومرتكزا ضروريا للمعارضة ومشاريعها.
يظل الحريري الزعيم السني والأكثر حضورا وتمثيلا، مع نقطة قوة إضافية يتمتع بها وهي أن لا بديل عنه في هذه المرحلة وحتى إشعار آخر.
– التيار الوطني الحر يصنف في فئة الخاسرين رغم بقائه في السلطة فريقا أساسيا… لقد عرف التيار مسارا تراجعيا – على المستويين السياسي والشعبي منذ ثورة 17 تشرين 2019 التي حددت جبران باسيل عنوانا وهدفا أساسيا.
واذا كانت هذه «الثورة» كشفت تحولا على المستوى اللبناني العام وضد السلطة والطبقة السياسية الحاكمة، فان تحولا حصل على المستوى المسيحي وعلى مرحلتين:
بعد انفجار مرفأ بيروت الذي دمر «جزءا مسيحيا» من العاصمة، وأحداث الطيونة عين الرمانة التي وقعت في المنطقة المحاذية لـ «مار مخايل» وأخذت شكل مواجهة خاطفة وخاطئة بين الشيعة والمسيحيين.
وكانت النتيجة أن هبوطا حصل في شعبية التيار الذي كان مربكا في تعاطيه مع هذه الأحداث والضغوطات 4 المتلاحقة، والتي داهمته على مسافة قريبة من الانتخابات التي تعد امتحانا فاصلا وحاسما له، ويخوضها في ظل ظروف غير مساعدة، وحيث الفارق واضح بين أجواء انتخابات 2018 عندما كان العهد في أوجه، وانتخابات 2022 عندما يصبح العهد في نهاياته.
وجاءت الانتكاسة السياسية الدستورية نهاية العام عندما خسر معركة قانون الانتخاب، وسقط الطعن الذي قدمه أمام المجلس الدستوري، لتعزز خسارته في رصيده «النازف».
– القوات اللبنانية تصنف في فئة الرابحين بعدما انفردت في تسجيل تقدم مقارنة بالقوى الأخرى التي اما تراجعت أو – راوحت مكانها.
فقد عمدت القوات الى اعادة تموضع سياسي جذري منذ عامين بعدما قررت فك ارتباطها بالسلطة والانتقال الى موقع المعارضة التي تصدرتها لتتولى دورا قياديا فيها من خلال الجبهة السيادية.
ويمكن القول ان أحداث عين الرمانة هي التي أدت الى تغيير ملموس في وضع القوات السياسي والشعبي، وأن هذه الأحداث تشكل خطا زمنيا فاصلا بين مرحلتين، وما بعدها ليس مثل ما قبلها على المستوى المسيحي، ليس فقط لأن الأحداث أظهرت القوات في موقع «المدافع» عن المناطق المسيحية وأن لها حضورا ووجودا على الأرض، وإنما أيضا بسبب خطأ وقع فيه حزب اله عندما ذهب بعيدا في موقف منفعل ومتطرف ضد القوات ورئيسها أعطى مفعولا عكسيا ومدها بدعاية سياسية وشعبية مجانية.
– حزب الله القوي عسكريا وشعبيا، المستند الى دعم إيراني ودور قيادي في محور المقاومة، والمصنف لاعبا – إقليميا متجاوزا في قدراته وأنشطته الساحة اللبنانية… حزب الله أظهر ضعفا في وضعه الداخلي وارتباكا في أدائه السياسي، وهو ما انعكس على صورته ومصداقيته وشعبيته حتى داخل بيئته… فالأمر لا يتوقف عند ضغوط خارجية وتصنيفات «إرهابية» وعزلة دولية وعربية وعقوبات، وإنما يتعلق بأخطاء في الأداء والممارسة داخليا، بحيث ظهر أن مشكلته هي مع حلفائه أولا قبل أن تكون مع خصومه، وأن عليه أن يبذل جهدا كبيرا للتوفيق بينهم وإدارة تناقضاتهم.
وظهر أن الحزب تنقصه الحنكة السياسية والقدرة على نسج علاقات مستقرة مع الطوائف والقوى، والخبرة في التعامل مع السياسة الداخلية وقواعدها، وهو ما تسبب له بمتاعب ومشاكل وضعته على تماس مع طوائف متعددة وفي مناطق متفرقة، بعدما كانت «الثورة» وضعته في مصاف القوى السياسية المغضوب عليها، لمجرد أنه لم ينجح في تمييز نفسه عن هذه القوى.