جردة حساب… كان عاماً مليئاً بالبؤس والحرمان
كتب رمال جوني في “نداء الوطن“:
كان عاماً مليئاً بالأزمات، إتشحت الناس بسوادها الذي دمّر احلامها، لم يكن احد يتوقع ان تنحدر الاوضاع المعيشية نحو القعر بسرعة قياسية، وأن يحلّق الدولار من الـ7000 ليرة الى الـ28 الف ليرة، وتحلّق معه اسعار السلع والمواد الاساسية، وتطير اللحوم والدجاج، الخضار والفواكه وحتى حلمهم بالتيار الكهربائي وتصبح يومياتهم أشبه بكابوس لا يصدق. فالانحدار الاقتصادي الذي بدأ مع معركة المواد الغذائية المدعومة وتبخرت من دون ان تصل للناس، فتح الحرب على مصراعيها على مواطن خسر مدخراته في المصارف وبات يتسول لقمة عيشه، نتيجة تحلل الرواتب، وارتفاع الأسعار الذي قض مضاجع الجميع، وقضى على الطبقة المتوسطة، ووسع رقعة طبقة ما تحت خط الفقر.
مع بداية العام توسعت رقعة المعاناة واستتبعت بسياسات حكومية ترقيعية وبات البحث عن السلع المدعومة شغل الناس الشاغل، ما هدد الامن الغذائي والاجتماعي، وأنتج الكثير من الاشكالات الدموية، اذ بات حلم المواطن حينها الحصول على سكر مدعوم بعدما تجاوز سعر غير المدعوم الـ40 الفاً، غير ان المدعوم ذهب ادراج التجار وحدهم وحرم المعتّر منه.
لعل ابرز محطات العام كانت طوابير الذل الطويلة على محطات المحروقات والتي انجبت فدراليات محلية وقسمت القرى وخلقت هوة خطيرة اسهمت الخلافات والاشكالات المسلحة في تعميقها اكثر، وسحبت البساط من تحت الاحزاب التي عجزت عن ضبط الوضع والسيطرة عليه. على العكس، كانت مساهمة بشكل أو بآخر بتأجيج الخلافات، وإعطاء جواز عبور للشبيحة للسيطرة على المحطات ومن بعدها تهديد امن القرى نتيجة حالة الفلتان الامني وعدم ضبط هذه الجماعات التي باتت الاقوى على الارض. فتحلل اجهزة الدولة وفقدان الرواتب قيمتها وغياب الأمن الاجتماعي، وارتفاع حدة الفقر، كلها كانت دافعاً لتبسط تلك الجماعات سلطتها سواء بالعصي أو السكاكين او حتى الضرب من دون ان يغيب السلاح عنها، ولعل ما شهدته القصيبة وبريقع من اشكالات مسلحة على خلفية البنزين خير شاهد وقد توجت بتمزيق صورة الرئيس نبيه بري، ما ادّى الى كسر تابو الخوف من الاحزاب وتمزيق سلطتها، واعلاء سلطة “الشبيحة”.
لعلّ من اخطر الازمات التي رزحت تحت وطأتها منطقة النبطية كانت ازمة الدواء وفقدانه من الصيدليات، ويتقدمها حليب الاطفال وما ترك ذلك من غضب كبير لدى الاهالي، فمن يسكت صراخ الاطفال الجائعين؟ ازمة الحليب لم تحلّ حتى الساعة، ما زالت تتفاقم رغم رفع الدعم عنه وتخطي اسعار علبة الحليب معاش الموظف المياوم، وهي ازمة سترحّل الى العام الجديد، اسوة بازمة الخضار واللحوم والكهرباء والاشتراك والانترنت والدواء والدولار، فرغم كل المعاناة الشعبية لم تقدم الحكومة حلولاً لها، على العكس فاقمتها واسهمت في تأجيجها أكثر.
اكثر ما آلم اللبنانيين خسارتهم لقمتهم وتحسّرهم على زمن الـ1500، حيث كانوا يعيشون في مهد عيسى، قبل ان يكتووا بنار جهنم، كان واضحاً حجم المأساة التي حلت على الناس، ممن تركوا لمواجهة مصيرهم بمفردهم، خسروا حقهم في تناول اللحم وحرموا من الدجاج، وبات شراء الخضار التي تختتم العام بتحليق جنوني للأسعار، لمن استطاع اليها سبيلاً.
أججت السياسة الترقيعية الهشة الناس ضد السلطة، رغم انهم لم يصرخوا، ولن يفعلوها، الا اذا قطع الفحم والمعسل وتهدّد امن النرجيلة، حينها فقط يخرج الشعب للمطالبة بحقه في الاركيلة، وليس في الدواء او في الاستشفاء الذي بات للاثرياء، اذ اصبح دخول المستشفى مع ارتفاع اسعار المستلزمات الطبية، اشبه بالمستحيل، فالغرفة العادية اليومية بـ2 مليون ليرة اي ما يوازي راتب موظف عادي في القطاع العام، ما دفع كثر للعودة الى طب الجدود او ما يعرف الطب العربي، وعاد العز للشومر والخبيزة والزهورات والمليسة وغيرها.
لم تتوقف الازمات عند حد، بل اقتحمت القطاع التجاري الذي شهد اقفالات بالجملة، وسط ارتفاع غير مسبوق في اسعار الالبسة والاحذية ما دفع الناس للعودة للكندرجي والخياط، ما اعاد العز لمهن قديمة كانت مهددة.
ادى تفاقم الازمات ايضاً الى كارثة في الاتصال والتواصل، وشهدت القرى انقطاعات تامة لشبكة الاتصالات، وبات الانترنت كالسلحفاة ان توفر، ورفع الدعم عنه ينذر بأزمة وبالتالي خسارة الشعب اكثر مفاتيح فشّات الخلق في بلد يعوم على بحر من المأساة الحقيقية التي من الصعب حلحلتها في ظل طبقة حاكمة فاسدة سرقت الى ان انهار الاقتصاد والامن وتهاوت العملة، واكملت مسلسل الذل عبر تعميم 161وقد جاء ليسرق ثلثي مدخرات المودع.
يُختتم العام الحالي بتكريس مبدأ الفوضى والذل والازمات ويتوقع ان تتولد من جديد في العام المقبل ولكن باساليب مختلفة عبر تأجيج ازمة الانترنت، الخبز، المحروقات، الاشتراك، الدولار الجمركي، ارتفاعات جنونية في السلع قد تصل الى 600 بالمئة ومعها تختفي طبقات الفقر لتصبح فئات الشعب كلها معدومة، ولعل فرصة الانتخابات هي الباب الوحيد لمحاسبة المسؤولين على تدميرهم اقتصاد لبنان، فهل يفعلها الشعب؟ ام تشتريهم الاحزاب بالبطاقة التمويلية وصندوقة الاعاشة وتنكة بنزين ليبقى “ذنب الكلب اعوج” ونخسر ما تبقى من لبنان؟