جيشنا الأبيض في خطر
على وقع الإرتفاع الجنوني للدولار، اعتصم ممرضو وممرضات مستشفى النبطية الحكومي، رفعوا الصوت عالياً، “كفى”، الجيش الابيض في خطر، في اصعب مرحلة صحية يمر بها البلد.
لم تشفع التضحيات الجسيمة التي قدمها الجيش الابيض، لدعمه مادياً واقتصادياً، على العكس، تركته الدولة يواجه مصيره المرّ بمفرده، مئات الممرضين من ذوي الكفاءة غادروا لبنان بحثاً عن لقمة عيش فقدوها في وطنهم، لم يجد كثر منهم خياراً آخر سوى الرحيل، فالمليون ونصف ليرة لبنانية التي كانت قبل عامين تساوي ألف دولار، باتت اليوم 50 دولاراً، راتب لا يؤهل الممرض للوصول الى خدمته الصحية، فكلفة النقل العالية تفرض عليه إما النوم في المشفى لايام، أو الرحيل الى بلد آخر، وبينها يعيش القطاع الصحي احلك ظروفه، يعمل باللحم الحي، علّ صرخته التحذيرية تفعل فعلها قبل فوات الأوان على حد قول مدير مستشفى نبيه بري الجامعي الدكتور حسن وزنة، معلناً صراحة “أن القطاع الصحي في خطر، والمستشفيات اليوم تتجه نحو المجهول رغم هجرة المواطنين الصحية الى المستشفيات الحكومية جراء ارتفاع كلفة العلاج في المشافي الخاصة”. ووفق وزنة “الجهاز الطبي والتمريضي ليس في خير، هناك نقص كبير في اعدادهم، ومعاشاتهم باتت لا تساوي شيئاً”. وما وصلت اليه أحوال المشافي “بسبب سوء السياسات الصحية المتبعة”، سائلاً عن الحلول وداعياً وزارة الصحة الى التدخل السريع.
وضع وزنة الإصبع على جرح الجيش الأبيض النازف، معتبراً أن تحركه لا يعدو صرخة في زمن الانفلات السياسي وشيخوخة الحكومة، وهو ما حذّر منه علي، احد الممرضين، مؤكداً على رداءة أحوالهم وقد باتوا عاجزين عن الوصول الى مراكز عملهم، “فالممرض ملزم بالحضور اليوم للمستشفى على عكس موظفي القطاعات الحكومية الاخرى الذين لا يحضرون الا يوماً واحداً، ونعيش وضعاً مأسوياً جداً، معاشاتنا لا تكفي يوماً واحداً والدولار يحلق”، داعياً كل المستشفيات الى “التضامن مع الممرض”.
وفق المعلومات، فإن هجرة الممرضين الكبيرة شكّلت صدمة كبيرة للقطاع الصحي الذي دخل مرحلة الانهيار، سيما وان اغلب المغادرين من الكفاءات العالية الذين يحتاجهم الجيش الابيض لمواجهة “كورونا” من جهة وتحديات أخرى من جهة ثانية.
لعل صرخة الممرضة فاطمة “يا إما الهجرة يا إما البيت” ابلغ تعبير، مؤكدة انه “لم يعد أمامنا خيارات اخرى، فالوصول الى العمل بات يحتاج ميزانية مرتفعة فوق قدرتنا، فهل هكذا يكافأ الممرض على ما بذله من حرب مستعرة شرسة مع وباء “كورونا”، اذا لم ينصف الممرض فالقطاع في مهب الخطر”.
وإذا كانت صرخة الجيش الابيض نابعة من الخوف على ما تبقّى من قطاع صحي مهدّد بالاقفال ما لم يخضعه المعنيون لجراحة سريعة، فإن القطاع التربوي ليس بأفضل حال، فلليوم الثاني تقفل المدارس والمهنيات الرسمية أبوابها، في خضم معركة الحقوق التي يخوضها المعلمون مع وزارة التربية التي يبدو أنها في واد ومعركة المدرسين في واد آخر..
لا صوت معلم يشرح الدرس، لا ضجيج طلبة في الصفوف، مقاعد خالية الا من بعض الاوراق، لوح ابيض لم يدون عليه اي معلومة منذ الامس، فالاضراب ادخل القطاع في عطلة لن تنتهي كما يبدو مع نهاية عطلة الاعياد، طالما ان وزير التربية يغض الطرف عن حقوق الاساتذة. فلا الـ90 دولاراً الفريش دُفعت، ولا بدل النقل ايضاً، ما يعني وفق الأساتذة “كذبوا علينا لينطلق العام الدراسي، غير ان لعبتهم سرعان ما انكشفت، فاليوم الدولار تجاوز الـ28 الف ليرة ما يعني أن الحضور الى المدرسة بات من سابع المستحيلات”.
كل ذلك يحصل ولم يتحرك أحد من زعماء الدولة، وكأن الكل راض عن تهميش القطاعات وافلاسها وإيصالها الى مرحلة الصفر، غير ان الكل تناسى أن معركة الانتخابات دنت والرد القاسي سيكون في صندوقة الاقتراع.
المصدر: نداء الوطن