الخضار الملوّثة تُقلّص أدمغة اللبنانيين!
كتب رضا صوايا في “الأخبار”:
من الشائع توصيف أي شخص يقدم على عمل مناف للمنطق والعقل بأن «عقلو زغير». لكن، ماذا لو كان «زغر العقل» ناتجاً من تناول بعض أنواع الخضار الملوثة؟ سيناريو يبدو سوريالياً، لكنه واقعي ويهدّد اللبنانيين والمقيمين!
أخيراً، قررت دولة قطر «منع استيراد النعناع، البقدونس، الكزبرة، البقلة، الزعتر، والملوخية من لبنان نظراً إلى ارتفاع نسبة متبقّيات المبيدات، بكتيريا إيكولاي، والرصاص، بشكل متكرر، في نسبة كبيرة من العيّنات التي خضعت للتحليل خلال الأشهر الماضية». لكل من هذه الملوّثات مخاطرها الكبيرة على صحة الإنسان، وقد أصبح اللبنانيون على دراية كافية ووافية بها، وتحديداً الإيكولاي لكثرة الفضائح الغذائية المرتبطة به. لكن للرصاص حكاية أخرى لا تزال مجهولة لكثيرين، وخصوصاً أن «لا تقارير أو دراسات حول حجم التلوث بهذا المعدن الكيميائي في لبنان، باستثناء ربما دراسة واحدة صدرت قبل سنوات»، بحسب البروفسور في العلوم الجرثومية وسلامة الغذاء في جامعة جورجيا الأميركية عصمت قاسم.
المشكلة الفعليّة، وفق قاسم، تكمن في أن اللبناني متروك لمصيره، ولا يعلم بما هو عرضة له إلا من مصادر خارجية في كثير من الأحيان. فقد «وصلنا تحذير من الاتحاد الأوروبي عام 2019 حول قيام البعض في لبنان بصبغ اللفت الأحمر بمواد كيميائية تؤدي إلى تشوّهات في الحمض النووي (DNA). ومنذ نحو سنة، سحبت كندا طحينة مصنّعة في لبنان لأنها تحتوي على السالمونيلا. وقبلها بسنوات قليلة، انتشرت فضيحة اللحم البرازيلي الملوث بالسالمونيلا ولم نعلم به إلا من الإعلام الأوروبي والأميركي. فكيف الحال في خضمّ الأزمة الحالية وارتفاع كلفة الفحوصات وغياب الرقابة وأزمة الكهرباء؟».
يؤكّد قاسم أن الرصاص من «أخطر المواد الكيميائية التي يمكن أن يتعرّض لها الإنسان، فهو يؤثر على نمو الأطفال والحوامل وعلى الكلى والجهاز العصبي والدماغ». ورغم أن البيان القطري لم يحدد نسبة التلوث بكل من هذه العناصر، إلا أن الخطورة في ما يتعلق بالرصاص تكمن في أن «كميات صغيرة جداً منه يمكن أن تكون لها آثار كبيرة». فالرصاص ملوّث كيميائي، ومصادر التلوث به متنوعة وتنجم عن تسربه إلى المياه والتربة من خلال «الصناعات التي تستخدمه أو من قساطل المياه التي تستخدم للري أو حتى من الدهان وغيرها من المصادر».
وكشفت دراسة نشرت في تموز المنصرم شملت 14 نهراً أساسياً في لبنان أن 70% من مياه الأنهار غير صالحة ميكروبيولوجياً للري و30% منها غير صالحة للسباحة بسبب التلوث بالبكتيريا البرازية. وبحسب قاسم، فإن «60% من مياه الري في لبنان مصدرها الأنهار، فيما لا تُعالج إلا نسبة 2% إلى 3% من مياه الصرف الصحي على أحسن تقدير، وهي تنتهي في الأنهار. وبالتالي، ورغم أن الدراسة تناولت التلوث الجرثومي إلا أنها تفرض احتمال وجود تلوث كيميائي».
وفي حال إظهار الدراسات وجود تلوث بالرصاص، فمن مخاطره إضافة إلى ما سبق أنه «يؤثر على الجهاز العصبي ومنه على الدماغ. ووجد الكثير من الدراسات أن تعرّض البالغين لمادة الرصاص يؤدي إلى تضرر وتقلص أماكن معيّنة من الدماغ، وخصوصاً لدى الرجال. وحين تصغر هذه المناطق، فإن العديد من القدرات الفكرية والعقلية يتأثر، وإحدى هذه الظواهر تكمن في العدائية الزائدة والسلوكيات غير الاجتماعية. وهنا يفرض السؤال نفسه، وإن كنا طبعاً بحاجة إلى دراسات شاملة ودقيقة لإثباته، لكن: هل يمكن أن يكون الرصاص أحد أسباب العدائية الزائدة التي نشهدها في مجتمعنا؟».
ويلفت قاسم الى أن من تأثيرات الملوثات الجرثومية والكيميائية على السلوكيات الاجتماعية أن هناك «نوعاً من الجراثيم الموجودة في لبنان واسمها توكسوبلازما وهي تنتقل عبر الأكل ومصدرها المياه الملوثة، ومعروف أنها تصيب أماكن معينة في الدماغ. وقد أظهرت الدراسات أن الإصابة بها تفقد عامل الخوف في الدماغ. فالفأرة لا تعود تهاب القطة، والقرد لا يخاف النمر أو الفهد».