سائقو تاكسي: “جِعنا.. نريد العيش بكرامة”
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
تفتك الازمة المعيشية الخانقة بالطبقات الفقيرة الشعبية، لم تعد المشاهد غير المألوفة في صيدا غريبة، فالفقر المدقع كشف ستر الكثير من العائلات المتعفّفة والمستورة، وبات التسوّل وسيلة لسدّ الرمق بالرغم من التكافل الاجتماعي وتقديمات البلدية ومساعدات الجمعيات وبعض القوى لها، غير ان الحاجة كبيرة ومهما بلغ التضامن يبقى قليلاً.
في شارع رياض الصلح الرئيسي في صيدا الممتدّ من ساحتي الشهداء الى النجمة، تقع المصارف ومحال الصيرفة والمحال التجارية ومواقف السيارات وعيادات الاطباء ومكاتب المهندسين والمحامين وكتاب العدل وسواهم، وعشرات بسطات الخضار والفواكه، شارع ضجيجه لا يهدأ ويتحول يومياً منبراً حرّاً للتعبير عن مشكلة او للمطالبة بحق.
على الحافة بين المسربين تجلس فتاة منقّبة، تطلب مساعدة مالية بصمت، اذ رفعت لافتة مكتوب عليها “اخواتي: اختكم بحاجة الى ايجار بيت، نرجو المساعدة، والله على ما اقول شاهد”، الفتاة التي اكدت انها من خارج المدينة، أوضحت لـ”نداء الوطن” انها تسكن مع جدّتها في منطقة وادي الزينة، وقد عجزت عن تسديد ايجار الشقة لذلك قرّرت رفع اللافتة، عسى أصحاب الايادي البيض يمدون العون لها كي تصمد امام الضائقة المعيشية التي جعلتها عاطلة عن العمل.
وهذه الظاهرة ليست الاولى في الشارع ذاته، اذ بين الحين والآخر تجلس فتاة أخرى، ترفع بيدها على الملأ وصفة طبية لدواء، تدعو المارة الى مساعدتها لتأمين شرائه، فيما كثيرون لم يعد يبالون وهم ينقسمون الى فئتين: الاولى، تؤكد انها بالكاد تكفي نفسها ولا تستطيع مساعدة الغير، والثانية تعتبر انها طريقة جديدة للتسول وقد تكون غير محتاجة.
عند ساحة النجمة، قطع سائقو سيارات الاجرة الطريق غضباً واحتجاجاً على ارتفاع سعر صفيحة البنزين الى ما يفوق 300 الف ليرة لبنانية، يخشون ان يحمل جدول الأسعار الاسبوعي كل اربعاء المزيد من الارتفاع، ما يجعلهم عاجزين عن العمل مع تدنّي قدرة الزبائن على التنقّل بالتاكسي.
والاحتجاج السلمي الذي ركن فيه السائقون سياراتهم في منتصف الطريق، لم يخلُ من اشكال، اصرّ احد المواطنين على العبور خلال قطع الطرق بعدما أبدى امتعاضه من قطعها ومنع الناس من التوجه إلى حيث تريد، فحاول المرور بسيارته فحصل هرج ومرج تخلله تكسير زجاج السيارة، وعلى الاثر تدخّل الجيش اللبناني لفضّ الاشكال وابعاد السائقين عن المواطن.
وقال السائق محمد شعبان لـ”نداء الوطن”: “ان الوقفة الاحتجاجية هدفها ايصال رسالة وصرخة الى المعنيين من اجل انصافنا، وليس قطع الطريق على أحد، لم نعد قادرين على العيش بكرامة، مطلبنا بسيط دعم صفيحة البنزين لسائقي التاكسي واقرار مبلغ 500 الف ليرة لبنانية دعماً لاصلاح السيارة”، مضيفاً “ارتفاع سعر البنزين قطع ارزاقنا، المواطن بات يفضّل المشي على الانتقال بالسيارة بسبب غلاء الرسوم، وبالأخصّ من الفقراء والعسكريين، لم نعد نجد الركاب كما في السابق، والغلاء فاحش، كرتونة البيض نحو70 الفاً، اشتراك الكهرباء 700 الف”.
ويؤكد السائقون ان الاضراب الذي دعا اليه قطاع النقل البري يوم الاربعاء سيكون تاماً، رفضاً لسياسة التسويف والمماطلة وللمطالبة بدعم قطاع النقل، لأن في ذلك دعماً لجميع اللبنانيين،من الموظفين، العمال، الطلاب، العسكريين من جيش وقوى أمنية، وفق ما يقول السائق علي حبلي، مؤكداً “ان لهيب اسعار البنزين حرق ما تبقى لدينا من مال… ولقمة العيش باتت مغمّسة بنار الغلاء”. وحذّر الدكتور عبد الرحمن البزري من تردّي الأوضاع في صيدا “بما ينذر بردود فعلٍ لا تُحمد عُقباها”، مضيفاً: “لا يجوز أن يبقى هذا الإهمال المستشري في المدينة سواء للناحية الخدماتية، أو لناحية غياب الرؤية لمعالجة الأوضاع الصعبة التي تُعاني منها صيدا منذ سنواتٍ عدة، والتي ازدادت حدّتها نتيجة للأحداث الأخيرة التي تعصف بالبلاد، صيدا وأهلها يُعانون من غياب وفقدان المظلّة الإجتماعية الضامِنة التي نشهدها في مناطق أخرى في لبنان، ومردّ ذلك غياب الرؤية السياسية، والإهمال المُتعمّد من الدولة ومؤسساتها”.