هل تنير اسرائيل بيوت لبنان.. جدل حول هوية الغاز الذي سيصل إلى لبنان؟
ما كان سراً معلناً، أصبح أمراً واقعاً ، أو يكاد.
الغاز الذي سيستورده لبنان من مصر ، عبر الاردن ثم سوريا، هو إسرائيلي المصدر. لم يعد هناك أساس للتشكيك في الرواية الاسرائيلية التي لم تنفها مصر، ولا الاردن، وغضت سوريا الطرف عنها، وشرعت الدول الثلاث، مع إسرائيل، في حساب الارباح التي يمكن ان تحققها من تلك الصفقة المريبة، التي تُقدم الآن بإعتبارها تضحية من أجل لبنان وهدية لشعبه المقيم في الظلام.
تأخرت إسرائيل عن تلك الحسبة، لكنها أخيراً، أعلنت أنها طرف مباشر في الصفقة، بإعتبارها مصدر الغاز المطلوب لإنارة لبنان، وقالت أنها لا تزال تدرس المنافع والأضرار، أي أنها تطلب التفاوض معها، إن لم يكن على السعر الذي ستدفعه مصر وتقبضه من البنك الدولي، فعلى المدى الزمني للصفقة، من الموعد التقريبي للبدء بضخ الغاز في الانبوب، الى الموعد التقريبي لإنتهاء الصفقة، سنة أو سنتان أو خمس أو عشر سنوات..حتى يجد لبنان بدائل، إذا توافرت، للغاز الاسرائيلي.
طلب التفاوض هو، بالعرف التجاري والسياسي، بمثابة توضيح إسرائيلي بأن الصفقة لم تنجز، وربما لن تنجز، من دون الاتفاق على جميع التفاصيل المالية والتقنية وحتى الامنية طبعا. ولكي لا يخطىء أحد النوايا والاهداف، رفعت إسرائيل سقف شروطها عندما أحالت الغاز الى الاضواء التي ستنير ملجأ الامين العام لحزب الله، والى الحضور السوري المرتقب في الصفقة والى النفوذ الايراني المستفيد منها.. مع الاشارة الخبيثة، ولكن ذات الدلالة الاهم في هذا السياق، وهي أن الغاز مصدره بالتحديد حقل “لفياتان” المتاخم للحقول المتنازع عليها مع لبنان في عمق البحر المتوسط.
ومن هنا، كما يبدو، نقطة الانطلاق الاسرائيلية، وطبعا الاميركية، التي أوحت بأنها هي تضحي بالغالي والنفيس من أجل ان يحصل لبنان وشعبه على مصادر الطاقة الضرورية والملحة، وقررت أن تخرق قانون قيصر المفروض على سوريا، وأن تنسى جميع العقوبات المفروضة على حزب الله، وعلى لبنان، بل وحتى على إيران.. طالما أن المفاوضات اللبنانية الاسرائيلية متعثرة، ولن تؤدي في المستقبل القريب الى تقبل لبنان للفكرة الاميركية الاولى، التي طرحت لدى إعداد الاسس المرجعية للتفاوض، والتي تقضي إحداها بتقاسم الثروة النفطية في البحر المتوسط بين لبنان وإسرائيل، وفق قواعد حددها الاميركيون بالتفصيل، وبالأسماء والشركات، وبينها بالتحديد شركة هاليبرتون الاميركية التي مُنحت العقد الاخير من الاسرائيليين حول التنقيب والاستخراج والتسويق من الحقول المتنازع عليها مع لبنان.
وهكذا تبدو صفقة الغاز المصري_الاسرائيلي المشترك، بمثابة عقوبة للبنان على رفضه خطة الاستثمار الموحدة للحقول البحرية، التي كان يمكن ان تقصر خط الغاز الوارد الى معامل إنتاج الطاقة اللبنانية، من نحو 1200 كيلومتر الى أقل من 200 كيلومتر. وهو ما لا يستبعد أن يعرضه الاسرائيليون على لبنان، عندما ينضمون الى التفاوض، على الصفقة، مرفقاً ربما بأسعار تشجيعية أقل من الاسعار التي تدفعها مصر والاردن، مقابل تنازلات لبنانية سيادية على طاولة المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية.
التهديدات الاسرائيلية المباشرة التي تلقاها لبنان علنا في الاونة الاخيرة، والتي إستفادت كما يبدو من المأزق الذي وضعت السلطة اللبنانية نفسها فيه، ومعها المفاوض اللبناني، لم تدع مجالاً للشك في أن إسرائيل، تضع صفقة الغاز المصري الاسرائيلي وعقدة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في ملف واحد، أضيفت إليه ورقة قوة جديدة هي الدور الاميركي المتجدد، الذي يعمل الآن لتسهيل وصول الغاز المصري_الاسرائيلي لكي يحسم في المقابل الخلاف حول الحدود البحرية.
بداهة القول أن هذا المسار الخطر الذي وُضع فيه لبنان، أو بالاحرى المسار الذي وضع نفسه فيه، ربما يقود في نهاية المطاف الى مساومته على الظلام التام مقابل السلام الكامل. وهو تهديدٌ جديٌ جدا، طالما أن السلطة اللبنانية الحالية هي من الوضاعة بحيث لا تدرك أن موقع معمل دير عمار بالذات يمكن بسهولة أن يستخدم كمركز بديل ينتج من الطاقة الشمسية ما يزيد على 300 ميغاواط، بمدة وكلفة أقل من سعر الغاز المصري_الاسرائيلي.