“رفع مسؤولية”… أيّ “تبعاتٍ” سياسيّة لـ”بيان الفجر”؟!
في توقيتٍ “مُستغرَبٍ”، في الشكل قبل المضمون، اختارت قيادتا “حزب الله” وحركة “أمل”، الساعات الأولى من الفجر، لإصدار بيانٍ مشترك، تحسمان من خلاله “رفضهما الصريح” لتشكيلة الوفد اللبناني المفاوض حول ترسيم الحدود، على رغم إعلانها منذ ما قبل ظهر الإثنين.
ثمّة من يردّ هذا “التوقيت” إلى أنّ القيادتين أرادتا “استباق” موعد جلسة المفاوضات الأولى بموقفٍ واضحٍ، بعدما وصلت الاتّصالات السياسية التي كانت تجري خلف الكواليس، في محاولةٍ لـ “تعديل” التركيبة، “بالتي هي أحسن”، إلى حائطٍ مسدود، مع إصرار رئاسة الجمهورية على التشكيلة بناءً على الإعلان الرسميّ الذي تمّ لها.
وثمّة من يردّه إلى محاولة القيادتين “احتواء” الاستياء الذي تجلّى في الإعلام المحسوب عليهما، فضلاً عن جمهورهما “الافتراضي” عبر وسائل التواصل، وبالتالي “التبرؤ” من التفاوض قبيل انطلاقه رسمياً، الأمر الذي يمكن أن يصبّ أيضاً في خانة منع “تحميله أكثر ممّا يحمل”، وهو تكتيكٌ دأب البعض على اعتماده منذ الإعلان عن الاتفاق-الإطار.
“رفع مسؤوليّة”
في مُطلَق الأحوال، تتقاطع القراءات على أنّ بيان “حزب الله” و”حركة أمل” لا يعدو كونه، من الناحية القانونية والمعنوية على الأقلّ، “رفع مسؤولية”، بمعنى أنه ينطوي على تعبير “الثنائي” عن “تحفّظه” على مسار المفاوضات، منعاً لأيّ “تأويل” أو “التباس” على خطّها.
ولعلّ هذا الأمر بدا واضحاً من خلال “استحضار” البيان للاجتماعات الدورية التي كانت تُعقَد أساساً “بين ضباط عسكريين حصراً” في الناقورة، بمعنى أنّ “الثنائي” أراد الإيحاء بأنّ موافقته، التي ارتقت لمستوى “المباركة” للاتفاق الإطار حول ترسيم الحدود، تمّت على أساس أن يكون، من حيث الشكل، موازياً لهذه الاجتماعات، ومنطلقاً من “روحيّة” تفاهم نيسان 1996 وقرار مجلس الأمن 1701، الذي تمّ التوصّل إليه في أعقاب حرب تموز.
من هنا، جاء الاعتراض الصريح للثنائيّ على “تضمين” الوفد لشخصيات مدنية، بما يشكّل “انجراراً إلى ما يريده العدو الصهيوني من خلال تشكيلته لوفد المفاوض والذي يضمّ بأغلبه شخصيات ذات طابع سياسي واقتصادي”. ويقول العارفون إنّ “الثنائي” أراد التحذير في هذا السياق، من الوقوع في “الأفخاخ” التي قد يجرّ العدوّ لبنان نحوها، في “غمرة” اتفاقات “التطبيع” التي تغزو المنطقة.
“لا تبعات”؟!
لكن، أبعد من “مضمون” بيان “الفجر”، وما خلفه من “خشية” تولدت لدى “الثنائي” من تحميل أيّ “اتفاق” مع العدوّ أكثر ممّا يحمل، ثمّة من قرأ خلف هذا الموقف رسالة “سلبيّة” موجَّهة بشكلٍ مباشرٍ إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، تكاد ترقى لمستوى “التخوين”، علماً أنّ هناك من يقول إنّ لهجة البيان تبقى “ملطَّفة” كثيراً، انطلاقاً من “خصوصية” الرئيس عون قبل أيّ شيء آخر.
لكنّ هذه “الفرضيّة” لا تجد “صداها” لدى قسمٍ آخر من المتابعين، ممّن يتحدّثون عن “توزيع أدوار” قد يكون “منسَّقاً” بين الجانبين، أولاً لأنّ رئيس الجمهورية “تجاوب” مع مطالب “الثنائيّ”، ولم يمضِ في خيارٍ كان قيد البحث ويقضي بمشاركة سياسيّين في الوفد، أسوةً بالوفد الإسرائيليّ، علماً أنّ مشاركة ممثلٍ عن الخارجية كانت مطروحة بقوة، وقد تداول الإعلام أصلاً بالاسم المقترَح، في حين أنّ الشخصيتين المدنيتين المشاركتين، وفقاً لهؤلاء، هما تقنيّتان بامتياز، ولا ولاءات سياسية لها، علماً أنّ ما روّجه بعض الإعلام من ادّعاء حول أنّ أحدهما يحمل الجنسية الأميركية، تبيّن “زيفه”.
أما الاعتبار الثاني، فيكمن في أنّ رئيس الجمهورية تولى “طمأنة” الثنائي بالمواقف التي أطلقها خلال استقباله للوفد المفاوض، كما أنّ “الثنائي” كان يستطيع “فرض” التعديل الذي يريد على التركيبة، لكنّ اكتفاءه ببيانٍ أصدره فجراً، بما لا يترك مجالاً للمعالجة أصلاً، له دلالاته أيضاً، علماً أنّ هناك من ذهب في “التحليل” أبعد من ذلك، لحدّ الحديث عن منح الرئيس عون، ومن خلفه الوزير جبران باسيل، “شهادة حسن سلوك” أمام الأميركيين، على اعتبار أنه “يتمرّد” على “حزب الله”، ويرفض “الانصياع” لمطالبه وشروطه.
برأي البعض، تبقى “تشكيلة” الوفد اللبناني المفاوض تفصيليّة وهامشيّة، باعتبار أنّ “التطبيع” يمكن أن يجرّ إليه المدنيّون كما العسكريّون، ولا فارق في ذلك. الأهمّ يبقى “نوع” الاتفاق، و”الحدود” التي سيرسمها الوفد، وقد يكون الأوْلى التركيز على هذا الجانب، بعيداً عن الالتهاء على جري العادة، بسجالاتٍ لن تقدّم أو تؤخّر شيئاً…
LEBANON 24