لبنان

نصر الله ينعي الحل الإيراني

“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر

في إطلالة لافتة شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، قال الرئيس المكلف فيها ما يدغدغ مسامع الرياض ومحورها، موجّهاً الرسائل إلى بعبدا وحارة حريك، مُدخلاً التأليف غرفة العناية الفائقة، مثبّتاً بالوجه الشرعي أن الضغوط الدولية لم تنفع، وإدارة التشكيل ما زالت على حالها عند البعض، مُفصحاً للمرة الأولى عن موقف لبنان الرسمي من خطوة استيراد المحروقات من إيران، في ردّ مباشر على أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي نافسه من على شاشة “المنار” في الذكرى الرابعة لنصر فجر الجرود المسروق، معيداً الكثير مما اعتاد نسبه من إنجازات لحزبه، مستخدماً منبره للهجوم على “البيطار”، وما يمثًله من ثورة وتغيير.

فالمتابع لإطلالات السيد حسن هذه الأيام، يلاحظ بوضوح أن حزب “المقاومة” مأزوم بشكل لم يسبق له مثيل، بعدما لمس عجزاً عن استخدام فائض القوة الذي يملكه، من فشله في إدارة حكومة اللون الواحد، إلى حادثة خلدة، فرسالة شويّا، رغم تحرّكاته الأمنية المبطّنة التي تشهدها بعض المناطق، مركّزاً منذ زيارة رئيس “السي آي إيه” ويليام بيرنز، إلى بيروت، على الدور الأميركي التخريبي محرّضاً ضد عوكر وفريقها، مُظهراً الجمهورية الإسلامية كمُنقذ. فما هي أبرز النقاط التي تطرّق إليها الأمين العام في كلامه الأخير؟

ـ أولاً، إصراره على أن الأميركيين ضغطوا على الدولة اللبنانية كي تلغي عملية “فجر الجرود”، وهو أمر سبق لليرزة أن نفته، كما أن قيادات كثيرة في البلد استغربت هذا الكلام حينها، مستشهدةً بكمّ السلاح ونوعيته الذي قدّمته الولايات المتحدة للجيش، ومنه القذائف الذكية.

أمّا حول قتال الحزب كتف إلى كتف مع العسكريين، فهو كلام حق يُراد به باطل، ذلك أن الناطق العسكري لعملية “فجر الجرود”، أكد بالصوت والصورة على أن بقعة عمليات الجيش لا يشاركه فيها أي طرف آخر.

فهل المطلوب من هذا الكلام إثارة مشكلة عشية زيارة وفد الكونغرس إلى بيروت لمراجعة المساعدات المقدّمة للمؤسّسة العسكرية؟

في كل الأحوال وبكل محبة، فإن أحداً لم ينسَ الصفقة التي أخرجت الدواعش بالباصات المكيّفة في غفلة من قيادة اليرزة. فيا سماحة السيد، الشكر كل الشكر للجيش اللبناني ودماء عسكرييه بشراكة مع شعبه وحلفائه الدوليين وحدهم، الذين بفضلهم تحرّرت الأرض وعادت جثامين الشهداء، في معركة استمرّت لأشهر لتزهر “فجر الجرود”، فيما كانت قواتك تقاتل في الداخل السوري. 

ـ

ثانياً، إقتناعه بأن السفارة الأميركية تدير غرفة عمليات تحرّك الوضع في لبنان، متحدّثاً للمرة المئة عن حصار أميركي – خليجي على لبنان. في الواقع، وخلافاً لكلام “السيد”، فإن لبنان يعاني من “انسحاب إقتصادي” لأصدقائه وحلفائه، من خلال استقالتهم من دورهم التاريخي في مساعدته، بسبب حملات التخوين وإهانة رموزهم التي يشنّها جماعة “المقاومة” والممانعة وتوابعهما. أمّا بالنسبة ل”قانون قيصر” والمُستهدف به سوريا ومن حارب على أرضها، ومنهم “حزب الله”، فهو لا يخصّ لبنان بشيء، ولعلّ تأثيره السلبي الأساسي ناتج عن قناعة الحزب وتصميمه على كسر الحصار عن سوريا عبر تهريب كل ما طالته اليد، باعتبار ذلك من متمّمات العمل المقاوم. وبعد ذلك، تسألون وتطلبون من الأميركيين وغيرهم مساعدتنا؟ وعن أي لبنان ولبنانيين تتحدّثون؟ بالتأكيد في زمن تنازل الدولة للدويلة بات اللبنانيون سبايا وعملاء.

ـ ثالثاً، تصميم قوي على نسف التحقيقات في انفجار المرفأ وما توصلت إليه من نتائج، فبعد فشل خطة توريط الجيش بدعوته إلى نشر تحقيقاته، بات عنوان المعركة إسقاط القاضي طارق بيطار، والتصويب عليه بشكل مباشر، بعدما وضع يده على الجرح واكتشف مكامن العلّة. فغضب السيد ودفاعه عن “غرندايزر”، ليس سوى خط دفاع أول عن “سندباد الجمهورية”، بيت قصيد التحقيق وأم المعارك. فالحزب يدرك جيداً أن سقوط منظومة المرفأ بكل مندرجاتها، هي سقوط مباشر للهيكل على رأسه، وبالتالي، استشراسه في الدفاع عن تركيبة وخلطة المرفأ، حتى ولو استدعاه ذلك استخدام القوة.

فهل يخضع القضاء للتهديدات؟ وماذا عن موقف جنرال بعبدا؟

الأكيد كما قلنا سابقاً، الحقيقة كل الحقيقة، باتت قاب قوسين أو أدنى من الظهور، والعدالة ستأخذ مجراها مهما طال الزمن أو قصر، بعدما باتت مدته بيد الشعب اللبناني.

ـ رابعاً، إقراره بأن “سَكرة” البواخر الإيرانية السالمة الغانمة، لن تحلّ فكرة الذلّ الذي يعانيه اللبنانيون، هذا إذا ما وصلت تلك البواخر إلى لبنان، حيث بيع السمك في البحر، جارٍ على قدم وساق، خصوصاً مع تصريح الرئيس المكلّف عن الضرر الذي قد تلحقه هذه السياسة بلبنان. فلماذا تراجع السيد عن “همروجة” البواخر مُقرّاً بأنها ليست الحل؟ فهل نحن أمام صدام جدي بين ما تبقى من دولة والدويلة؟

ـ خامساً، تأكيده أن لا رابط بين الحكومة ومفاوضات فيينا، وفي ذلك استغباء كامل لعقول اللبنانيين. ف”حزب الله” علّق كل تحرّكاته وخطواته السياسية والأمنية والعسكرية إلى حين حسم مسار تلك المفاوضات النووية، ليبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أن لبنان، بعد خطوة البواخر، بات جزءاً من محور طهران. ولكن ماذا لو لم تصحّ رؤية حارة حريك وأمنياتها؟
“إللي بدو ينكيك بيشيل العيب اللي فيه وبيحطّو فيك”… هكذا درجت عادة “حزب الله”، فمن شبّ على الشيء شاب عليه… “فالدولة السايبة بتعلّم الدويلة عالحرام… فهالله هالله يا دنيا وين كنا وين صرنا.”… ويا إبن البيطار “إذا هاجموك بهدف أن تزيح فتأكد إنك على المسار الصحيح”… أمّا لليرزة “فَيلّلي بيشوفك بعين شوفيه بعينتين”… وأنت أيها اللبناني، تعلّم أن لا تنام بين الدبابير وتقول على الله التدبير”… بل ردّد مع الشاطر حسن “الشمس شارقة والناس قاشعة”.
lebanondebate

مقالات ذات صلة