لبنان

المصارف تبدع بالسرقة.. هذا ما فعله البنك اللبناني الفرنسي مع مواطنة لبنانية!

كتبت عزة الحاج حسن في “المدن”:

ليس جديداً ان يُضبط مصرف بخرق قانوني أو تجاوز تعميم من مصرف لبنان أو ضربه عرض الحائط موجبات عقد أبرمه مع عميل. فالقضايا بحق المصارف داخل لبنان وخارجه تُعد بعشرات الآلاف. لكن من الغرابة أن نشهد مصرفاً يتجاوز أكثر من قانون وتعميم وعقد، بل الأصول كافة في قضية واحدة. وإن دل هذا على شيء فعلى استفحال قوة المصرف وتجاهله أي سلطة في لبنان، ودوسه تشريعات ونصوص قانونية.

قصة أستاذة جامعية

هي قضية سيدة تعاني الظلم منذ سنوات من البنك اللبناني الفرنسي BLF، الذي آثرت “المدن” على التواصل مع إدارته بلا جدوى، لمحاولة الوقوف على رأيه إزاء ما زودتنا به السيدة من وثائق ومراسلات تثبت تجني المصرف عليها و”سرقتها”. وليست قضية السيدة (ن. ف) وهي أستاذة في الجامعة اللبنانية – فرع طرابلس بقضية خاصة، فحالتها كعميل مصرفي قد تكون عنوان أسلوب تعامل عام مع باقي الزبائن المدينين للمصرف المذكور.

اقترضت (ن. ف) مبلغاً من البنك اللبناني الفرنسي في طرابلس فرع المينا، قبل الأزمة بسنوات، لشراء عقار بقيمة 56 ألف دولار، بضمانة وديعة تعود لحساب زوجها. أغراها المصرف، كما كان سائداً قبل الأزمة، بخفض الفائدة على القرض من 9 في المئة إلى 3.25 في المئة في حال أمّنت كفيلاً بوديعة في المصرف. وهذا ما حصل فعلاً، فنقل زوجها وديعته من بنك بيروت إلى البنك اللبناني الفرنسي، وحصلت السيدة على قرضها بفائدة مخفضة، مع الاشتراط بتحرير مبلغ من الوديعة يعادل قيمة الأقساط التي يتم سدادها سنوياً. وسارت الأمور بشكل طبيعي إلى حين تفجّر الأزمة المالية وبدء انهيار الليرة في تشرين الأول من العام 2019.

السداد بادولار!

وعندما بدأ سعر صرف الدولار بالتغير، طالب المصرف السيدة بسداد أقساطها بالدولار بدلاً من الليرة، وتوقف عن الاقتطاع من راتبها الشهري الموطّن في المصرف بالليرة اللبنانية، وعمد إلى تجميد وديعة زوجها كحال كافة الودائع. حينها تصادمت (ن. ف) مع المصرف، على ما تقول في حديثها لـ”المدن”، فمددت إدارة الفرع قبول سداد الاقساط بالليرة اللبناينة وفق سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات حتى شهر أيلول من العام 2020. حينها عمد المصرف إلى تحرير جزء من وديعة زوجها يعادل ما تم سداده قبل 17 تشرين 2019، وتوقف عن قبول الأقساط بالليرة، علماً أن مصرف لبنان في هذه المرحلة كان قد أصدر تعميماً واضحاً حمل الرقم 568 يعطي فيه الحق لأصحاب قروض التجزئة بسداد كافة الأقساط المستحقة بالعملات الأجنبية، بالليرة اللبناينة على أساس سعر الصرف الرسمي البالغ 1507.5 ليرات، مشترطاً أن يكون العميل مقيم، وليس لديه حساب باسمه بالعملة الأجنبية في المصرف المعني. وهذا ما ينطبق فعيلاً على (ن.ف).

وبعد تمنّع المصرف عن اقتطاع الأقساط من راتبها الموطّن، عمدت السيدة إلى سداد الأقساط وفق سعر الصرف الرسمي وإيداعها عند كاتب العدل. حينها تمنّع المصرف عن استلام المبالغ، وباشر بتجميد قسط شهري من راتبها من دون أن يقابله حسم من القرض. بمعنى أن المصرف باشر اقتطاع قسط شهري للقرض ووضعه في حساب رديف مقابل الإبقاء على ما تبقى من القرض كما هو، واعتبار السيدة متخلفة عن الدفع، وتالياً ترتيب غرامات شهرية عليها.

ومنذ قرابة العام ونصف العام يحسم المصرف من السيدة أقساطاً شهرياً من دون حسمها من القرض، ويفرض عليها غرامات بذريعة تخلفها عن الدفع. أكثر من ذلك فقد راكم المصرف عليها مصاريف تقدّر بـ58 دولار و555 دولار على مدار الأشهر، معرضة للإرتفاع. وهي عبارة عن بدل أتعاب محامي المصرف، كان قد أوكله متابعة قضيته ضدها، وأبلغتها إدارة الفرع بأنها في حال خسرت القضية في ضد المصرف، فسيترتب عليها سداد كافة تكاليف المحاماة مضافة على قرضها بالدولار.

مخالفات بالجملة

اقترف المصرف الكثير من المخالفات بممارساته تلك. وزودت (ن. ف) “المدن” بوثائق وكشوفات حساب تثبت صحتها، وأوضحت الخبيرة القانونية والأستاذة الجامعية سابين الكيك بأن القرض حين يكون مكفولاً بمبلغ من المال كضمانة، لا يمكن للمصرف التصرف بالحساب الكافل للقرض، ولا يمكنه أن يجري مقاصة إلا برضى المدين (أي ن. ف). لذلك لا يمكن للبنك حسم القسط من حساب الكفيل ولا من أي حساب آخر إلا برضى العميل. وهذا ما يفرضه قانون النقد والتسليف. وطالما أن المصرف يعلم أنه لا يمكنه السحب من الحساب الآخر لماذا يرتب مصاريف إضافية على المقترض؟ خصوصاً أن القانون منح المقترض الحق بتأخير سداد المتوجب عليه وتمديد مهلة الإيفاء. أضف أن (ن. ف) تقوم بالسداد، لكن المصرف هو من يمتنع عن التحصيل، “فهو يسحب منها القسط ولا يحسمه من الدين”.

أما بخصوص قانون تعليق المهل الصادر بتاريخ 16-7-2021 والذي لا يزال ساري المفعول لتاريخ 31-12-2021، فيعطي مهلة للمدين (أي السيدة) بعدم الدفع ويمنع الدائن (أي المصرف) من مطالبته ومن اعتبار المدين في حال تخلف عن الدفع. كما لا يحق للدائن ترتيب أي غرامات تأخير على المدين، تقول الكيك في حديثها إلى “المدن”. فالتأخير هنا ليس سببه تقاعس المدين عن الإيفاء إنما بموجب إعفاء قانوني ممنوح من المشرع نظراً للظروف الاستثنائية. “من هنا لا يمكن للمصارف أن تطالب المدينين أصحاب القروض بالتنفيذ أيا كان نوعها، ولا يمكن اعتبارهم متخلفين. وبالتالي لا يمكن فرض غرامات عليهم كما يفعل البنك اللبناني الفرنسي مع (ن. ف).

أضف إلى أن المصرف يخالف أيضاً أحد تعاميم مصرف لبنان (568) الذي يعطي الحق للمقترض بسداد قيمة القرض بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي، ويعتبره لا ينطبق على حالة (ن. ف) بذريعة أن لدى زوجها وديعة بالدولار، تقول الكيك. وهذا أمر غير صحيح وغير مقبول. فالتعميم يقضي بحرمان المدين بالسداد بالليرة في حال كان يملك حساباً جارياً بالدولار. وفي حالة (ن.ف) ليس هناك من حساب جار، فهو حساب مجمد ولا يعود إليها أصلاً.

وتختصر الكيك حالة المصرف مع العميلة المذكورة أعلاه، بأنه لم يكتف بالتمنع عن تطبيق قانون المهل ولا قانون النقد والتسليف لجهة المقاصة بين الحسابات الدائنة والمدينة فحسب، بل يخالف أيضاً العقد ويتعدى على حقوقها و”يسرقها” رسمياً “وأكثر من ذلك: هي سددت أكثر من مرة عبر عرض وايداع فعلي، والمصرف يتمنع عن استلام المال ويصر على التقاضي بالدولار، في حين أن الحساب الدولاري العائد إلى زوجها لا يمكن للمصرف أن يستعمله إلا في حال تخلف المدين عن الإيفاء. والسيدة حتى اليوم لم تتخلف عن الإيفاء، وهي فعليا تدفع مرتين: مرة حين يقتطع المصرف من حسابها، ومرة عندما تقوم بعرض وايداع فعلي للقسط الشهري”، ويبقى السؤال: لماذا يقتطع المصرف من حسابها ولا يحسمه من أصل القرض؟

المدن

مقالات ذات صلة