أزمة البنزين تشتدّ.. ومشاهد غير مألوفة
كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
مشهد تعبئة البنزين في سيارات متوقفة على قارعة الطريق بواسطة غالونات بلاستيكية لم يعد غير مألوف في صيدا، ولا انتشار روائح البنزين والمازوت بين الاحياء الشعبية والسكنية غريباً. الصادم، وليس المعيب، هو أن ترى طبيباً بات يستقلّ دراجة كهربائية ليصل الى مركز عمله في المستشفى، في مؤشر على عمق أزمة البنزين التي تشتدّ كل يوم بالرغم من كل وعود الحلحلة.
في جولة ميدانية لـ”نداء الوطن” في المدينة واسواقها التجارية والشعبية وعند محطاتها، بقيت طوابير الانتظار لساعات على حالها مع ابتكار طرق جديدة للتكيف مع الواقع المرير، غير انها عكست صورة مغايرة للمدينة التي كانت تضج بالحياة والحركة، اذ خلت الشوارع والاسواق وبات كل همّ ابنائها البحث عن ليترات وسدّ قوت اليوم.
ولا يستغرق الامر كثيراً من العناء لتدرك ان الناس هائمة على وجوهها ومتعبة، وقد اصيبت بصدمة كبيرة الى حدّ الذهول، تبحث عن اي سبب او ذريعة لـ”فشة خلق”، فقدت الامل بتغيير حقيقي نحو الافضل كبر مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، بات همّها اليوم ان تعود الحياة الى سابق عهدها، لجهة تعبئة البنزين على المحطات من دون عجقة، مصحوبة باستقبال عامليها بابتسامة وعرض خدماتهم وصولاً الى مسح زجاج السيارة.. لقد انتهت الى غير رجعة، فيما “الكزدورة” في السيارة بلا عنوان الا من “ضاق خلقه” انتهت، والانارة من المولدات الخاصة على مدار الساعة من دون السؤال عن تغذية الدولة، نعمة فقدها اللبنانيون على حين غرّة.
ويقول الشاب خالد البني لـ”نداء الوطن”: “هذه ليست صيدا التي نعيش فيها، الناس باتت تلهث وراء أبسط حقوقها بدلاً من الدفاع عن مطالبها، صيدا التي ما كنت تستطيع المشي فيها من العجقة والازدحام وصخب الحياة والحركة، باتت مشلولة وتغيرت الى طوابير من الانتظار أمام الصيدليات بحثاً عن دواء مفقود، والمحطات لتعبئة خزان السيارة، والافران سعياً وراء ربطة خبز، هذه ليست صيدا التي نعرفها، انها مسلوبة الارادة”.
إستنكف بعض اصحاب المحطات عن تشغيل المولد الخاص لتيسير الامور بانتظار تغذية التيار الكهربائي، مستخدمين خرطوماً واحداً او اثنين للتعبئة بعدما كانت اربعة او ستة وفق حجم المحطة وكبرها وصغرها وزبائنها، ويسارعون الى الاقفال عند اي اشكال مهما كان، او من دون سابق انذار. ويؤكد محمد المصري انها “ازمة اخلاق وليست فاقة معيشية او ضائقة اقتصادية او مالية، لم تعد الناس مستعدة بالمقابل لتقديم اي خدمة، حتى البعض يرفض الرد على الهاتف.. اذا شعر ان هناك خدمة ما”.
إنهيار القطاع
في الاسواق التجارية الحال ليس افضل، الرواد يشكون من انعدام القدرة الشرائية، والتجار من الركود المخيف، يصفون الامر بأنه اشبه بمريض في حالة حرجة في غرفة العناية الفائقة وقد انقطع نفَسه وبات على آلات الاوكسجين الاصطناعي بين الحياة والموت. ويؤكد رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها علي الشريف لـ”نداء الوطن” ان القطاع التجاري انهار وقد شكّلت أزمتا البنزين والمازوت الضربة القاضية للسقوط المرير، ما ينذر بكارثة انسانية، التجار يستغيثون ويشكون من الركود ومصير الموظفين بات مهدّداً، من استطاع الصمود حتى اليوم غداً سيقفل ابوابه ويزيد جيش العاطلين عن العمل، والناس انهارت قدرتها الشرائية وبات الزبون يحسب الف حساب اذا اراد النزول الى المحال للتسوق، لجهة اجرة النقل المرتفعة او توفر البنزين، انها كارثة حقيقية وما زال هناك بعض السياسيين يتلهّون بوزير من هنا او هناك ويريدون تقاسم الحصص والجبنة، لم يعد هناك لا خبز ولا جبنة”. بمرارة وحسرة، يتحدّث الشريف عن الوضع المزري، يقول: “اطلقنا نداءات استغاثة كثيرة، لم تلق آذاناً صاغية، بات رب العمل يشحذ امواله من المصارف على سعر المنصة 3900، بينما فتحت منصات كثيرة وعلى أسعار مختلفة من دون ان تراعي حقوقهم”. ويضيف: “الوضع لم يعد يحتمل مع التلاعب بسعر صرف الدولار، فقدنا القيمة الشرائية للاموال والحد الادنى لأجور العمال لم يعد يكفي شيئاً وربما فقط ثمناً لشراء ربطات خبز شهرياً، او دفع ثمن اشتراك المولد الخاص في ظل غياب الدولة عن واجباتها والتقنين القاسي بالتيار، كل المصائب تتوالى علينا من كل حدب وصوب، والله يستر من القادم ومن انفجار اجتماعي كبير، لقد طارت اموال النقل المشترك والكهرباء والسدود وطار معها البلد”.