هل لبنان جاهز للانتقال إلى “عصر الغاز”؟
كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
أثار قرار الإدارة الأميركية القاضي بـ”متابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا”، والذي تبلّغه رئيس الجمهورية ميشال عون من السفيرة الأميركية دوروثي شيا بعد ساعات قليلة من إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر لله انطلاق ناقلة نفط إيرانية باتجاه لبنان لتأمين المشتقات النفطية، مسألة حيوية تتصل بانتاج الطاقة عبر الغاز وليس الفيول، لتطرح السؤال عن جهوزية لبنان للانتقال إلى “عصر الغاز”. وقد أوضح البيان أن استجرار الطاقة الكهربائية “سيتم عبر توفير كميات من الغاز المصري للأردن، تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء، لوضعها في الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا”.
أضاف: “سيتمّ أيضاً تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمالي لبنان”، مشيراً إلى أنّ “الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز هذه الإجراءات، وأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري، وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها، والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز”.
وهذا يعني أنّ الإدارة الأميركية قررت كسر الحصار المفروض على لبنان من خلال بابين:
استجرار الطاقة الكهربائية من الاردن، وهي خطوة تستدعي صيانة وإعادة تأهيل شبكة النقل في ضوء الهدر التقني الذي تعانيه، مع العلم أنّ الاتحاد الاوروبي كان على استعداد لتقديم هبة لإعادة تأهيل شبكات النقل الداخلية إلّا أنّ سياسة المحاصصة والخلافات ضيّعت الفرصة.
استجرار الغاز المصري عبر “الخطّ العربي” مروراً بالاردن وسوريا وصولاً إلى البداوي ومنه إلى معمل دير عمار الذي يعمل على الغاز.
يعود الحديث عن أهمّية استخدام الغاز الطبيعي في لبنان إلى أواخر تسعينات القرن الماضي، نظراً إلى كونه أقل كلفة من الفيول ما يسمح بتخفيف فاتورة الاستيراد وبالتالي العبء على ميزان المدفوعات، وكذلك خفض كلفة الإنتاج ورفع تنافسية السلع المنتجة محلّياً. لكنّه لم يُدرج ضمن سياسات الطاقة إلّا في عام 2009 حين وقّع لبنان عقداً مع مصر، لمدة 15 عاماً، لاستجرار الطاقة عبر “الخطّ العربي” الممتدّ من مصر إلى سوريا، ووُصِل لبنان به بخطّ يربط حمص (سوريا) بالبداوي (لبنان) بطول 32 كلم. لم يدم العمل في هذا العقد لأكثر من 3 أشهر، إذ جمّدت مصر تنفيذه بسبب شحّ إنتاج الغاز لديها في تلك الفترة… مع العلم أنّ هناك من يقول إنّ لبنان كان يستفيد حينها من الغاز السوري وليس المصري حيث كانت السلطات السورية تقوم بعملية الاستبدال. ولمّا توقف البحث في الغاز المستورد عبر “الخطّ العربي” تحوّل النقاش إلى كيفية تغذية معامل الانتاج بالغاز من خلال محطات التغويز. يمكن تعريف محطات التغويز بأنها تقوم على “تحويل الغاز المسال غير القابل للاستخدام في محطات توليد الطاقة الكهربائية الى غاز جاهز للإستخدام”؛ ويتم عبر هذه المحطات تحويل الغاز المسال القادم من بواخر LNG الى غاز يذهب بالأنابيب الى محطات توليد الطاقة الكهربائية.
في العام 2013، أطلقت مناقصة لاستقدام محطّة تغويز في البداوي (معمل دير عمار) على أن تستقرّ في لبنان في العام 2015، إلّا أنها ألغيت في العام 2016 بسبب الخلاف السياسي على نتيجتها. في أيار 2018، أُعيد إطلاق مناقصة جديدة، لتصميم 3 وحدات عائمة لتخزين الغاز الطبيعي وتغويزه، وتمويل بنائها وتشغيلها لمدّة 10 سنوات، على أن تستقرّ قبالة شواطئ البداوي وسلعاتا والزهراني.
أعيد نسف هذا الاتفاق في 15 أيار 2020، وتحديداً عندما حذف مجلس الوزراء الإشارة التي تضمنها عرض وزارة الطاقة بشأن تأمين الكهرباء، بإنشاء معمل في سلعاتا بعد انقسام المكونات السياسية المُشاركة في الحكومة إلى فريقَين: “التيار الوطني الحر”، والآخرون.
وفي جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بعد مرور اسبوعين، إنتشل المجلس المعمل، بعدما تم دفنه في جلسة 15 أيار وجدد التمسك بخطة الكهرباء الواردة في البيان الوزاري، بناءً لطلب رئيس الجمهورية، فعاد المعمل إلى واجهة المشاريع الكهربائية، مع العلم أنّ التقرير الأخير للبنك الدولي في العام 2020 (عن قطاع الكهرباء اللبناني) حدّد الأولوية الثانية أمام الحكومة اللبنانية بـ”مراجعة وإعادة إصدار طلبات تقديم العروض لمحطات التغويز، للتركيز على الزهراني وديرعمار”، ما يعني عملياً إعتماد محطتين وليس ثلاث محطات، وبالتالي غضّ النظر عن ترسية إنشاء ثلاث محطات.
ويؤكد متابعون أنه لو أنجزت محطات التغويز في العام 2008، حين طرحت الفكرة للمرة الأولى بشكل جدي، لكان الوفر في معملي دير عمار والزهراني بلغ تراكمياً، نحو 10 مليارات دولار. يذكر، أنّ لبنان بدأ الاعتماد على المحطات الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية منذ السبعينات، وهي معامل تستخدم المحروقات مثل الفيول أويل، الديزل أويل أو الغاز أويل لتوليد الطاقة الكهربائية. لديه 7 معامل حرارية تعتبر قديمة، هي (الجية عام 1970- الذوق 1984- صور 1996- بعلبك 1996- الحريشة 1996- الزهراني 1998- دير عمار 1998)، وهذان الأخيران يعملان على الغاز. وفي العام 2017 تمت اضافة 270 ميغاواط الى كل من معملي الزوق والجية، وهذان الأخيران يعملان حالياً على الفيول ولكن يمكن تحويلهما إلى الغاز.
وفي هذا السياق، يؤكد مدير عام الأستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون أنّ تأمين الغاز للمعامل بحاجة إلى:
– إصلاح خط الغاز الحالي من الأردن عبر سوريا إلى دير عمار، ويحتاج حوالى السنة.
– بناء خط من دير عمار باتجاه الزهراني مروراً بالزوق والجية وسلعاتا، ويتطلب حوالى السنتين.
ويؤكد أنّ تشغيل المعامل على الغاز يوفر حوالى 400 مليون دولار سنوياً، تكفي لتغطية تكلفة الخط.
كما تعتبر الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر أنّ المبادرة التي أطلقها الاردن، فرصة جدية وحقيقية على السلطات اللبنانية تلقفها سريعاً، من وزارة الطاقة إلى وزارة الخارجية كي لا تضيع هي بدورها، من خلال الإسراع في المفاوضات مع الدول المعنية لوضعها موضع التنفيذ كي لا تبقى حبراً على ورق، لا سيما وأنّ الانتقال إلى الغاز هو خطوة لا بدّ منها لأسباب كثيرة، كونه أقل كلفة وأقل ضرراً على المستوى البيئي والصحي. ويفترض أن تترافق هذه المبادرة مع مشاريع صيانة المعامل من خلال اتفاق بين مؤسسة كهرباء لبنان ومصرف لبنان خصوصاً وأن للأولى مستحقات يمكن استخدامها في سياق الصيانة الضرورية في موازاة تأمين الغاز.
وتشير إلى أنّ هذا الانتقال قد يحتاج إلى بعض الوقت لكنه يشكل مساراً مستديماً يضع القطاع على السكة الصحيحة.